خرافه: مقدمه قصیره جدا
الخرافة: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
كيف يمكن تطبيق نظرية إلياد على أسطورة أدونيس، الذي يبدو أبعد ما يكون عن البطولة؟ مثل الأبطال اليونانيين الآخرين غير الاستثنائيين، إيكاروس وفايثون، يتصور أدونيس نفسه قديرا. وفي واقع الأمر، لا يبالي أدونيس، مثلهما، بمخاطر العالم، فيموت جراء تهوره النرجسي.
ربما يعتبر جون إف كينيدي الابن (1960-1999) نسخة حديثة من أدونيس، فهو بطل جذاب للكثيرين ورمز جنسي لا يقاوم بالنسبة إلى النساء. وقد مات، متجاهلا تحذيرات تشبه تحذيرات فينوس، عندما أصر في طيش على الطيران في ظروف جوية لم يكن مبتدئ مثله مستعدا لها على الإطلاق. وبسقوط طائرته إلى الأرض، أصبح كينيدي قريب الشبه بإيكاروس وفايثون عن أدونيس. فكان رثاؤه في كافة الأرجاء رثاء لبطل محتمل أكثر منه رثاء لبطل حقيقي.
شكل 3-3: جورج واشنطن قبل معركة يورك تاون، 1824-1825، بريشة الفنان رامبرانت بيل.
3
ربما يتمثل أحد أكثر الشخصيات ملاءمة لنظرية إلياد في البطل غير المتنازع عليه جورج واشنطن (1732-1799). فقد وقره وأجله جميع الأمريكيين باعتباره الأب الروحي للبلاد، وعمل هو في البداية كقائد أعلى للجيش القاري في الحرب ضد البريطانيين، الذين هزموا في نهاية المطاف في عام 1781. واعتزل واشنطن بعد ذلك الحياة العامة لكنه عاد ليترأس المؤتمر الدستوري؛ الذي كان دعمه فيه لا غناء عنه للتصديق على الدستور. وجرى انتخاب واشنطن بالإجماع أول رئيس للولايات المتحدة (عن طريق المجمع الانتخابي) في عام 1789، ثم أعيد انتخابه بالإجماع تارة أخرى، وكان سيجري انتخابه مجددا إذا رغب في ذلك. فلقد كان ينظر إليه في إعجاب شديد وإجلال إلى الحد الذي جعل كثيرا من الثوريين يخشون من أن يؤسس هو أو المناصرون له حكما ملكيا، ومن ثم تتقوض الأهداف الجمهورية التي حوربت الثورة لأجل تحقيقها. ولذا فإن رفضه هذا الإغراء جعله أكثر إجلالا في نظر الآخرين.
أوشك الاحترام الذي منحه الأمريكيون لواشنطن في عصره وبعده بوقت طويل أن يكون تأليها، كما كانت معاملته أقرب إلى العبادة. وحتى قبل أن يصبح أول رئيس للولايات المتحدة - ناهيك عن أثناء فترته الرئاسية وبعدها - كانت هناك عملات تحمل صورته، وعدد غير مسبوق من اللوحات والتماثيل له، وأغان وأشعار تمتدحه، ومقاطعات ومدن تحمل اسمه، واحتفالات مهيبة بأعياد ميلاده، واستقبالات صاخبة له أينما ذهب. وبالنسبة إلى إلياد، تمجد الأسطورة قيام أحد أبطالها بتأسيس شيء في العالم المادي أو الاجتماعي يستمر إلى اليوم - مثلا أمريكا في حالة الأب المؤسس؛ واشنطن. ويعبر وصف أحد المؤرخين للاحتفالات بعيد ميلاد واشنطن عن «القداسة» التي تمتع بها فيما يلي:
بحلول عام 1791، بعد عامين من توليه منصبه، صار الاحتفال «الملكي» و«التقديسي» بعيد ميلاده عادة قومية. ولم يكن هناك مدينة مهما صغر حجمها لم تقم حفلا أو وليمة واحدة على الأقل في ذلك اليوم احتفاء بواشنطن ... فكانت مناسبة قومية، لا تضاهيها سوى مناسبة الرابع من يوليو في الحماسة والبهاء. وصار مولد الأمة ومولد واشنطن علامتين تذكاريتين للشعب الأمريكي ... واتخذت شعائر الاحتفال بمولد واشنطن طابع الشعائر الدينية ... فكان يوم ميلاد واشنطن يوما مقدسا بحق؛ وقتا للم الشمل وإعادة التأكيد على قداسة الأمة، وقوة تمسك الشعب بها. (شوارتز، «جورج واشنطن»، ص77-79)
بعد فترة طويلة من مماته، لم يقتصر الاحتفال بميلاد واشنطن - الذي لا يزال إلى اليوم عطلة رسمية - على إحياء ذكرى أعماله، بل يتم لإعادة أفعاله، وإعادته هو شخصيا، إلى الحياة. وكان جزء من الاحتفال - الطقوسي - يتمثل في ذكر النقاط المضيئة في سيرته؛ الأسطورة. وبوضوح، تشير العبارة الأمريكية المتناقلة على الألسن «جورج واشنطن نام هنا» إلى الوظيفة الأساسية للأسطورة من منظور إلياد؛ ألا وهي تقديم وسيلة اتصال بالإله.
بطبيعة الحال، قد يعترض أحد المتشككين؛ فهل يعتبر أي بطل بشري - مهما كان موقرا - إلها؟ وهل يعني الاحتفال العبادة؟ وهل يؤدي الاحتفال بحياة بطل ميت إلى إعادة البطل نفسه إلى الحياة؟ هل يعتقد المحتفلون حقا أنهم عادوا بالزمن إلى الوراء وليس فقط في مخيلتهم؟ وبقدر ما تفسر العلوم الاجتماعية الإنجازات الخالدة للأبطال، ماذا تبقى للأسطورة كي تفسره؟ وبقدر ما يثير جهد إلياد من إعجاب إزاء ضمان مكان راسخ للأسطورة في العالم الحديث العلمي، فهل هذا الجهد مقنع؟
هوامش
ناپیژندل شوی مخ