خلاصه تاریخ عراق: له پیله نن تر ورځې پورې
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
ژانرونه
فكان ذلك خير فأل لتملكه على آسية، واضطر أن يتريث في طرسوس لاستحمامه في قدنس وجسمه يرشح عرقا، فأصابه داء كاد يهلكه، إلا أن طبيبه الحاذق فيلبس عالجه فشفاه، وقهر دارا مرة ثانية في إسس (آياس) في قليقية (333)، وفي هذه المعركة قبض الإسكندر على أسرة دارا كلها، لكنه أطلق سراحها حالا وعاملها معاملة كريمة. وعقب هذا الظفر إخضاع صيدون (صيدا)، فثبت على عرشها عبد الأنيم، ثم إخضاع صور التي لم يفتحها إلا بعد أن حاصرها سبعة أشهر، وتدويخ غزة بعد أن دافع عنها دفاع الأبطال قائدها بتيس. وفي الآخر افتتح ديار مصر، فبنى فيها الإسكندرية، ثم أمعن في ليبية لزيارة هيكل أمون (المشتري) (331)، فلقبه السادن بابن ذلك المعبود. ولما قفل راجعا من ديار مصر انتصر على دارا في إربل (من ديار آشورية) النصر الأخير؛ إذ عقبه موت دارا، فغدا الإسكندر سيد ديار فارس كلها، ودخل بابل بأبهة لا تضاهى، واستحوذ على السوس وإصطخر فأحرق قصرها في وليمة أفرط فيها كل الإفراط، ثم أخذ يتعقب قاتل دارا، وهو بسس المرزبان، وافتتح برثية وصغديانة (الصغد)، ودر بخيانة (سجستان وبعض قندهار)، وبقطريانة (بلخ). وفي ذلك الوقت لوث يده مضرجا إياه بدم كليتس، وبغض نفسه بتعذيب دمنس الغيلوتاسي، وكلستينس، وقتل برمنيون (329-328)، ولم يكتف بتدويخ دولة الفرس، بل غزا الإشكوذيين (الإسكوثيين) ففلهم فلا في جوار يكسرتس (نهر سرداريا)، ثم شمر عن ساعده لفتح الهند (327)، فانقاد له تكسيل، وفل عساكر فور الهندي على ضفة هيذاسب (نهر جيلوم في البنجاب)، وعامله معاملة ملكية، ثم أوغل في سيره حتى بلغ هيغاس (نهر ستلج)، ولما أبى جنده أن يتأثروه إلى ما وراء هذا النهر عاد أدراجه إلى بابل، وهناك نشر بساط الزهو والبذخ والأبهة الشرقية، وتغلب عليه متنعما متلذذا، فأطلق العنان لشهوات نفسه الأمارة بالسوء، فهلك سنة 323، ويظن أن أنتيبا ترسمه، ثم نقل رفاته إلى منفس، ومنها إلى الإسكندرية.
هذا هو ملخص ترجمة أكبر قائد وجد على هذه الأرض. والظاهر من آخر أعمال الإسكندر أنه عقد النية على أن يجعل دولته العظيمة خليطا من الهلنية والإيرانية، لما رأى في أبناء إيران من سمو الأفكار وعلو الهمة مما يعارض ما في نفوس الهلين، وكان يبدي التفاتا خاصا إلى أشراف الإيرانيين، وحاول إدماج العنصرين المتنافسين بواسطة الزواج، فتزوج هو أميرة من شرقي إيران (أفغانستان) اسمها روشنك (روكسانة)، وفي بعض الحفلات المشهودة لبس ثيابا فارسية، وكان مع ذلك يحافظ على مألوف عاداته من تقدير علم اليونان وصناعتهم منشطا لهما، وكيف لا يكون كذلك وهو تلميذ أرسطوطاليس وخريجه! وتمسكا بما فطر عليه من حبه لبلاده أقام في المواضع الخطرة من طرق المواصلات خلال أراضي المملكة نحو سبعين مدينة جديدة على الطرز الهلني، وجعل غالب أهاليها من المكدونيين واليونان، ولعله كان في نيته أن يبقي بابل كرسيا لتلك المملكة الهائلة العظم؛ لأن موقع أرض الفراتين الغريلية تبدو مركزا طبيعيا لها. هذه كانت نيته حينما عاد من الهند في سنة 323، وكان يفكر في فتوحات جديدة والتبسط في طول الأرض وعرضها. وحفر أحواضا جديدة لتحسين شئون سقي أراضي بابل الخصبة، وتطهير دجلة لتسهيل سير السفن عليه. ومما امتاز به الإسكندر عن سائر القواد الكبار أنه بذل سعيه في تعمير المدن أو حفظها أكثر منه من تدميره لها، ودفع الحضارة دفعة إلى الأمام لم يسبقه إليها سابق؛ فإنه ضم أمما بعضها إلى بعض، أمما كانت سابقا متباغضة متشاحنة، ونشر في الشرق أفكار اليونان، كما نشر في الغرب آراء الشرق وصنائعه وفنونه، ووسع نطاق الإبحار، فكان قد أمر بإنشاء أسطول ضخم في ثغور فنيقية، فنقلت أوصال سفنه إلى بابل، وهناك ركبها ليسيرها في البحار والأنهار. وبينما هو غارق في بحار هذه الأفكار الكبرى والخطط الوسعى احتضر في بابل قريبا من الفرات في قصر نبوكد نصر المبني بالآجر البديع الألوان الرائع الجمال. (16) السلوقيون
لما أشفى الإسكندر على الموت أسند ظهره إلى وسادة، ومد يده ليلثمها جميع الجند جريا على العادة المتبعة يومئذ، فدنا منه كبراء دولته وقالوا له: من تخلف على هذه المملكة الضخمة؟ قال: خليفتي عليكم أجدركم برعاية الملك والصراط المستقيم، وإني لأرى وقوع الشقاق بينكم، فحذار حذار منه. ثم سأله أحدهم: ومتى نحصيك في عداد من يعظم ويكرم ؟ فقال: لا أجل إلا إذا سعدتم بعدي وانتظم شملكم أحسن انتظام. فكانت هذه آخر أقواله، ولما توفي كان عمره 32 سنة و8 أشهر على أصح الآراء . واتفق عظماء الدولة على تولية أخيه أرهيديوس من قبل أن يولد ابنه، ثم ولدت روشند بعد ذلك ولدا ذكرا سمي إسكندر إيغوس، فقتله كاسندر مع أمه سنة 311، واقتسم القواد المملكة، فملك كل منهم في القسم الذي وقع له، وهذه هي دولة السلوقيين، وهي عبارة عن ثلاث ممالك، وهي: مملكة مكدونية وتراقية، ومملكة بطليموس وتشمل مصر وفلسطين، ومملكة سلوقس. ثم أخذت هذه المملكة بالتنازل والانحطاط مدة ثلاثة قرون متتالية حتى اضمحلت.
أما الهلنية فإنها لم تفقد شيئا من مزاياها، بل كسبت شيئا يذكر في عهد السلوقيين، إلا أنها مع ذلك كانت تتضاءل؛ إذ كانت تنسلخ عنها الكورة بعد الكورة لتنضم إلى الإيرانيين أو إلى ملوك تلك الربوع، وفي الوقت عينه كانت تؤسس مدن جديدة في آسية، أو كان يعاد تشييد البلدان القديمة على طرز يوناني حديث، وهو الأمر الذي شرع به الإسكندر، فبقي سائرا في وجهه، فكان ذلك سببا لاستفحال الهلنية وفشوها بين الآسيويين المبثوثين في السلطنة السلوقية، بل في قصور إيران نفسها التي كانت تقوم مقام الدولة السلوقية في مواطن عديدة؛ إذ اختلطت فيها الهلنية قليلا أو كثيرا حسب مقتضيات الأحوال.
ومما يؤسف لذكره أن سلوقس أخرب حاضرة بابل، تلك المدينة العتيقة الشهيرة، وإن شئت التحقيق فقل: نقل تلك الحاضرة إلى موطن يبعد 63 ميلا عنها، وأركبها شق دجلة، وهي التي سميت بعد ذلك «سلوقية على دجلة» التي أصبحت في برهة قاعدة نصف دولة الشرق، وهي التي سماها بعضهم ساليق؛ تمييزا لها من عدة مدن عرفت بسلوقية، كانت هذه أكبرهن وأوسعهن. وهي أقرب إلى جبال إيران من أنطاكية الشامية إليها، ولا جرم أن سكان بابل الأقدمين ظعنوا إلى الحاضرة الجديدة ولم يبق في تلك الخربة إلا جماعات من السدنة كانوا يحافظون على شعائر دينهم القديم في مدينة تزداد خرابا يوما بعد يوم، ويقومون بما يندب إليه الدين في الهياكل الأبراج التي كانت تخرج رءوسها الدقيقة من بين سائر الأبنية، وقد حكم عليها القضاء أن تنحط شيئا فشيئا في دركات الخمول والوحشة ، بينما كانت سلوقية تتيه عجبا بكونها مدينة يونانية حديثة الغضارة والنضارة، ينشق منها نور ومدنية جديدة، يتدفق متصببا على أنهار وجنات أرض شنعار القديمة. وهل يبلى اسم سلوقية وهي التي ولد فيها ونبع منها ديوجينس البابلي، أحد أعاظم كتاب الرواقيين ورأس مدرستهم في أثينة (156ق.م)، وكثير من البابليين تلقوا فيها علومهم وآدابهم اليونانية، ومن جملتهم بيروسس الكاهن البابلي الشهير، الذي وضع تاريخ بلاده باليونانية وأهداه إلى أنطيوخس الأول ابن سلوقس. ومن مشاهير علمائها أيضا سلوقس الرياضي الفلكي، وكان قد ذهب قبل كوبرنك إلى أن الأرض وسائر السيارات تدور حول الشمس، ولعله كان بابلي المولد.
ولو أخذنا طريق سلوقية بمائتي سنة قبل المسيح شاخصين إلى ماذي وفارس لعثرنا بالمدينة بعد المدينة، وكأنها نصفهم يونان ونصفهم وطنيون، ولسانهم الرسمي اليوناني، وأبنيتهم على الطرز اليوناني، كما كنت تشاهد في تلك المدن مدارس ومعاهد ومسارح لهو كلها يونانية. وبين الحواضر اليونانية البابلية الدار كانت يومئذ أرطميتة، وهي مدينة كانت واقعة بين الزوراء وخانقين، ومنها نبغ المؤرخ أبلودورس.
على أن الهلنية وإن تقدمت تقدما ذا شأن بعد الإسكندر ممتدة في البلاد طولا وعرضا، إلا أنها فقدت من صفتها؛ لأن حياة هذه المدن اليونانية المبثوثة بثا في أنحاء آسية كانت - ولا شك في ذلك - ظلا ضئيلا لحياة أثينة في عهد أفلاطون، وفي العهد اليوناني أصل النشأة المشهورة، هذا فضلا عن أن اللغة لا تجود إلا في أرض مصدرها، ولا تريع إلا فيها، وأما في مستنبتها أو منتقلها فلا تكون فيها إلا عائشة لا نامية. (17) انحلال الدولة السلوقية وظهور الدولة البرثية
الدول كأفراد البشر لها زمن طفولية وزمن شباب وزمن كهولة وزمن هرم وانحلال. والدول أيضا كأفراد من جهة طول العمر وقصره؛ فمن الأفراد من يعيش قليلا، ومنهم من يعيش طويلا حسب القوة المودعة في ذلك الجسم. وهذه الدولة السلوقية لم تعمر كثيرا، فإنها عاشت ثلاثة قرون، ثم دبت في جسمها عوامل الانحلال فأفنتها؛ ففي الشرق اضطر سلوقس مؤسس سلوقية إلى أن يسلم كور الإسكندر الهندية إلى الملك الهندي شندرا غبتا، الذي كان بنفسه مؤسس دولة جديدة في الهند، وكانت قاعدتها بطنة على نهر الكنج التي ابتنى فيها ملكها المذكور قصرا على طرز قصور ملوك فارس على ما أظهرته لنا الحفريات الأخيرة، وانفصل عنها أبعد الأقاليم عن إيران (مثل: بلخ والصغد الواقعتين في شمالي أفغانستان، وإمارة بخارى الحالية)، وذلك في نحو سنة 255ق.م في عهد ملوك يونان أصلهم من هذه البلاد. وهذه الهلنية - هلنية الشرق الأبعد - بقيت في وسط ملوك أجانب أو برابرة، وإن كانت قد قطعت عن الجسم الهلني الأصلي مدة تنوف على مائتي سنة، والآثار الباقية من هذه الهلنية هي أنواط ونقود معاصرة للتاريخ المسيحي، وكانت قد أبدت سيادة مؤقتة على أعظم قسم من شمالي الهند، اكتسب فيه اليوانة شهرة في آداب اللغة الهندية القديمة (السنسكريتية)، لا بمنزلة محاربة لليونان محاربة «سيئة»، وصبأ منندر الملك اليوناني إلى الدين البوذي وتبوذ (ويذكر اسمه في الآداب البوذية المقدسة محرفا بصورة ملندة). وفي سنة 248 أغار على إقليم برثية (خراسان الحالية) قوم أقبلوا من الفيافي، ويتصل نسبهم بالإيرانيين، وأسس قائدهم أرشك دولة مستقلة، عرفت بدولة البرثيين، أو البرث،
9
وأخذت تنمو مستمدة قواها من امتصاص قوى الدولة السلوقية والدولة اليونانية البلخية، وكان لهذه الدولة نوع من الزرادشتية (المجوسية)، وهي تظهر لشعب إيران ممثلة للمسألة القومية ومقاومة للأوروبيين، لكن الفرس لم ينظروا أبدا إلى الآرشكيين نظرهم إلى ملوك فرس حقيقيين؛ لما في دمهم من البداوة وفي أخلاقهم من الفظاظة والعنجهية، وقد ابتلعت الدولة الآرشكية في برثية أولا جارتها هرقانية، وهي الديار الكثيرة الغابات من منحدرات شمالي جبال البرز نحو بحر قزوين (وهي المعروفة اليوم بمازندران)، وفي عهد ملكها مثريدات الأول (170-138ق.م) ظهر على أعظم القسم من شرقي إيران آخذا إياه من يونان بلخ (بقطرية)، وفي عهد الملك المذكور خرج الحكم السلوقي من بلاد ماذي. وأما بلاد بابل فقد تنازعتها الأيدي مرارا عديدة، لكنها كانت للسلوقيين في سنة 144ق.م، إلا أنه يظهر أنها انتقلت إلى البرث قبل سنة 40، وفي تلك السنة استرجعها ملك سلوقي، وبعد سنتين وجد أن صاحبها ملك اسمه أرشك على ما وجد في رقيم كتب بالخط المسماري القديم، ثم استرجعها للمرة الثانية آخر ملوك السلوقيين، وهو الملك الصنديد أنطيوخس سيديتس في سنة 130، بل وتتبع البرث وطردهم من غربي إيران، وهناك انكسر هذا الملك وقتل في السنة التالية، فعاد البرث إلى بلاد بابل وانتقموا انتقاما عظيما من مدينة سلوقية التي كانت قد تخربت للدولة المالكة اليونانية.
ناپیژندل شوی مخ