الحيرة لما يرى من كثرة اطلاع مؤلفه العبقري وجهوده الجبارة في اقتناء غرائب درره، ولم شوارد غرره، وما كابده وعاناه في أسفاره ورحلاته لجمعه وتنسيقه.
ثم اعلم أنا مع ما بالغنا في أهمية الكتاب وعظمة مؤلفه لم نقل بصحة صدور جميع أخباره، ولا نلتزم بذلك في الخصال ولا غيره من كتب الأخبار، من أي مؤلف في أي مقام. بل غاية ما نقول إن الخصال أحد الكتب التي عليها المدار في جميع الأعصار، ولم يقل أحد من الأكابر ولا المصنف نفسه بقطعية صدور ما بين دفتيه، فالكلام فيه كالكلام في غيره.
وللعلماء في معرفة الحديث الصحاح منه والزياف والحسان والضعاف قواعد معلومة، مدعومة عندهم بالبرهان، ونحن لا نمشي فيها إلا بضياء نورهم، ولا نكتل إلا بمكيالهم، ولا نزن إلا بموازين قسطهم. نصحح ما صححوا ونضعف ما ضعفوا ونطرح ما طرحوا، ولا نحوم حوم الفضول، مع أنا لا نقول بقول حشوية أهل الحديث والسذج منهم فنعتقد بكل باطل ينسب إلى المعصوم (عليه السلام).
كما أنا لا نجعل عقولنا القاصرة «الحكم الترضى حكومته» في معرفة مقبول الحديث ومردوده.
ثم اعلم أيضا أنا لا نجوز لأحد أن يلعب بالروايات يصحح منها ما وافق هواه وإن كان موضوعا مكذوبا ويكذب منها ما خالف رأيه وإن كان صحيحا ثابتا.
وكم في عصرنا هذا من أناس غلب المستشرقون على عقولهم، واستولوا على قلوبهم، فمالوا معهم حيثما مالوا وذهبوا معهم أينما ذهبوا، فلا يمشون إلا على ضوء نارهم يزعمون أنها نور لجهلهم، يتأولون القرآن بآرائهم، ويفسرونه بأوهامهم، ولا يقبلون من الأحاديث ما يخالف أهواءهم، ويدعون أنهم علموا ما فات أسلافهم. فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.
مخ ۱۰