266

خیالات او احساساتو تحریر

خواطر الخيال وإملاء الوجدان

ژانرونه

وقد هشم هذا الغضنفر عظم عضدي وعضني إحدى عشرة مرة في ساعدي، والجراح التي تحدثها أنيابه أشبه بجراح الرصاص ويعقبها عادة قيح غزير وتميت جزءا عظيما من الأنسجة، وقد قابلت في السنة التالية الرجل الذي عضه الأسد في كتفه فرأيت جرحه انفجر ثانية في الشهر نفسه من العام التالي، وإن هذا الحديث لحري بأن يلتفت إليه رجال العلم. (4) رحلة جول جيرار

اقتفيت أثر الأسد قبيل الغروب وبصحبتي حميد وعمر وأبو القاسم وكان الأولون مسلحين «بقربانتين» والثالث يقود جديا صغيرا كممنا فمه جيدا واتخذناه طعما نجلب به السباع، وقد عاينت وأنا سائر مدخل الأسد الموصل إلى عرينه واختبرت آثار أقدامه فسررت مما اكتشفته، وبحثت عن مكان أمين أتخذه مرصدا فوجدت موضعا خاليا على مقربة من الربوة الكامن فيها الأسد.

وقد ربطنا الجدي بجزع شجرة وتناولت سلاحي، وما هي إلا لحظة حتى اقترب عمر مني فجأة وقد تشنج وجهه من الرعب وأشار بأصبعه إلى رأس أسد ضخم متكامل اللبد قد لمحنا من مسافة مائة خطوة تقريبا؛ فصرخت الأعراب ونزعت أنا كمامة الجدي وتربصت بالمكان الخالي من الغاب لأتمكن من رؤية الأسد حينما يأتي إلى الجدي الذي حينما أبصر «القربانات» المصوبة لم يطمئن باله، وأخذ يصيح بشدة ويحاول قطع الحبل وبعد بضع دقائق لمح الجدي على غرة الأسد في مربضه، فارتجف كريشة في مهب الريح وأخذ ينظر إلي من وقت لآخر كأنه يتوسل بي لأحميه من شر الأسد، ولما ساد الرعب تبينت أن الأسد مقبل نحونا، فنظرت من خلال الغاب المتكاثف المحيط بالمكان الخالي الذي كنت فيه فوجدت جسما ضخما لا يتحرك ولم أستطع أن أتحقق شكله، إذ حالت دون ذلك الأوراق والغصون.

وفي الحال تحركت الأشجار وخرج من مكمنه واثبا وثبتين أوصلتاه إلى المكان الخالي من الغاب ثم وقف ينظر إلينا.

شتان بين جمال هذا الحيوان وبين جمال ما نشاهده في المسارح، رأيته أملح وأعظم وأفخم حيوان مع أني رأيت كثيرا غيره، وقد أشفقت عليه وأملت «قربانتي» بعدما صوبتها إلى ما بين عينيه، ثم تمدد الأسد على مهل فوق الكلأ منتظرا ساعة طعامه، فأسفت أن رأيته متحفزا للوثوب على فريسته فصوبت إلى كتفيه رصاصتين فوقع زائرا بصوت كالرعد، وأخذ يعض في منحدر السيل، ثم انقض دون أن يعلم أو يرى في السيل من علو عشرين قدما.

وعندما سمع الأعراب صوت النار أتوا سراعا وظنوا أن الدماء الغزيرة التي سالت من الأسد انتهت بقتله، وصاحوا في الرجال المنتظرين بالقرب منهم: «هلم إلينا بالبغال.»

وكان الموضع الذي ينبعث منه زئير الأسد كثيف النبت فلم أستطع أن أرى جذوع الشجر على قيد خطوتين، وعندما كنت أضع العلامات على مدخل السبع الدامي أقبل الصائدون ومعهم أربعة رجال مسلحين من أهل الجبل، وكان في عزمي أن أصبر للغد لأجد الأسد ميتا أو حيا وأملت أن تقتله جراحه في الليل، وعلى كل حال اعتمدت على الدماء الغزيرة التي فقدها وهي كافية على الأقل لأن تضعفه في اليوم التالي، وفي الختام تحققت أنه من الحمق أن أذهب إلى الأسد بين هذه الآجام الكثيفة التي لا يخترقها أحد الأنظار وأقواها لا سيما عند إقبال الظلام، وضحت ذلك للأعراب ولكنهم لم يسمعوا النصح قائلين: سنذهب وحدنا ونحن واثقون بموت الأسد، ولما لم أستطع أن أقنعهم ذهبت في مقدمتهم بعد أن أكدت لهم أنهم واقعون لا محالة في سوء عنادهم، ثم صادفت «دو رودامبورج» وهو راجع من طوافه فرجوت منه أن يحمي ظهري ولا يفارقني، وحينما وصلنا إلى مدخل مقر الأسد مرت رصاصة من خلفي مصوبة إليه فزأر وانقض علينا هاشما كل ما صادفه، فقلت للأعراب: «أرأيتم كيف هلك؟ وأود الآن مشاهدة قوة الرجال البواسل وجرأتهم.» وما انتهيت من كلامي إلا ورأيت الأسد واقفا بيننا، وعندما أردت أن أصوب رصاصة إلى رأسه سبقني الأعراب وأعموني بدخان بارودهم ولم أستطع أن أنظر إلا عمر وهو يطلق ناره فوثب عليه الأسد وكسر «قربانته» بأنيابه وأمسك به وطرحه أرضا كضغث من الهشيم.

فأسرعت إلى الأسد بقفزتين وكان لاهيا بتمزيق المسكين فلم يلتفت إلي، وأردت أن أخترم رأسه برصاصة ولكني خفت أن أصيب عمر فصوبت إلى قلبه ورميته فترك فريسته ولم يقع فرميته بثانية فلم تنطلق الرصاصة، وكان لا يفصلني عنه إلا القربانة فطفق يقاوم بكل قوته، ولما رأى الأعراب الخطر المحدق بي هبوا بجرأة عظيمة ولو أن أسلحتهم لم تكن محشوة والتفوا حولي، وكان حميد أقربهم إلي فناولته «القربانة» وطلبت منه البندقية المحشوة التي عهدت بها إليه ليحملها لوقت الحاجة، فوجدته قد كان أطلقها مع رفاقه فأمسينا تحت رحمة الأسد، وكان «دو رودامبورج» على قيد خطوات من المكان، ولم يبق لي مدافع غير هذا الصديق فصوب إلى الأسد نارا حامية ألقته صريعا يتخبط في دمه.

لم يمت عمر المسكين ولكنه أصبح مخرم الجسم بجراح بالغة يكفي أحدها لقتله، فحملناه على الملابس والعصي، ومكث يعاني أشد الآلام ساعتين أمكننا بعدها أن نسعفه بضمد جراحه ومعالجته.

وفي الغد ذهبت لأنتزع جلد الأسد ثم عرجت على عمر وودعته وخلفته بين يدي طبيب من مواطنيه، وعدت في اليوم نفسه إلى حديقة الأسود.

ناپیژندل شوی مخ