خیالات او احساساتو تحریر
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
ژانرونه
وبينا أنا مفتون بهذا النعيم، إذ شعرت بيد لطيفة مست كتفي من الوراء، فالتفت فإذا هو «دوتو» فعانقني وقال: «مرحبا بذي القلب الرحيم الذي رق لبؤسنا وبكى لمصابنا الدنيوي، هيا بنا إلى قصر «ماريون دلورم» فلربما نجد عندها أغلب الإخوان والأصدقاء.»
صحبته إلى قصر تجمعت فيه أسباب السعادة والهناءة، وانبعثت منه ملذات تسر النواظر وتشنف الأسماع وتفتن القلوب؛ فابتهجت لرؤية «سان مار» وبجانبه خطيبته «لادوشيس دومانتو»، تلك الفتاة الفتانة و«كورنيي» و«ملتون».
استقبلني الجميع بترحاب وشوق، وشكروا ما آنسوه مني من عطف وحنان، ثم أنشأت «ماريون دلورم» تمازح أصدقاءها وتداعبهم برشاقتها المعهودة وجمالها الفتان وحديثها الساحر، فأقبلت من وراء «سان مار» وخطيبته ومسحت خديهما الناعمين بيديها المزريتين بأيدي الدمى قائلة: «الآن وقد التأم شملكما، وكفكفت عبراتكما، وزالت آلامكما، تنعمان بالحب والحرية بعدما كنتما لا تتمكنان من محادثة بعد شق الأنفس في زوايا مذبح الكنيسة وهي مقفرة دون أن يسبقكما عين «ريشليو»، أراكما الآن تقرآن في عيونكما آيات الحب العذري «كبول وفرجيني».»
ثم انتقلت إلى «كورنيي» وقالت له: «قد ارتحت من نكد الدنيا ونسيت نعلك التي كنت تنتظر الإسكاف ريثما يخصفها لك وأنت حافي القدمين، وزالت غضون وجهك وصرت تشنف أسماعنا وتفتن نفوسنا بشعر أبلغ وأرق من شعرك الدنيوي.»
ثم جلست إلى «ميلتون» وقالت له: «الآن وقد نسيت ازدراء خلاني وعدم اهتمامهم بك حينما كنت تقرأ لهم قصائدك في الشيطان ببهو منزلي بباريس، وكيف ألجأك الدهر لأن تكون كاتم أسرار لعات جبار ألجم فاك، وكيف رسفت في أغلال العمى والشيخوخة بعد أن عضك الفقر بنابه فأصبحت الآن ولا هم لك إلا أن تختال في برد شبابك القشيب، وتتنقل في الرياض تنقل الفراش المفتون ببديع الأزهار وجميل النوار.»
رجعت «ماريون دولورم» إلى كرسيها واقترحت على «دوتو» أن يقوم في الجمع خطيبا ويحدثهم عن الصداقة، وقالت له: «إنك صرفت شبابك في دراسة علم الاجتماع والفلسفة والقوانين، وكنت أنت و«سان مار» المثال الوحيد في الدنيا للصداقة والوفاء.» فلبى الأمر وأنشأ يقول: «لم يخلق الله في الدنيا نعمة أجل من الصداقة؛ إذ هي حب مقدس أنزله الله على قلبين طاهرين شريفين متماثلين في الصفات والأخلاق، فأصبحا وقد استنار فؤادهما بنور الله يقرأ كل منهما ضمير الآخر، ويفهم ما يرتسم على جبينه وعينيه من صور السرور أو الهموم، فلا يلبث أن تنعكس هذه الصورة في نفسه، ويشعر بعين شعور صديقه فيتوجع لبلائه ويتهلل لهناءته.
لا صداقة بين صغير وأمير، ولا بين شريرين؛ فما الأولى إلا تمليق، وما الثانية إلا اشتراك في الجرم.
شاهدت في حياتي الأولى أن بعض الناس يتخذون الصداقة التمثيلية وسيلة لنيل مآربهم وقضاء أغراضهم، وما هؤلاء إلا مداهنون منافقون.
كان يكفيني من الصديق عاطفة حنان وحب، ولكني ما كنت لأعثر عليها عند أغلب هؤلاء الأصدقاء، بلوتهم فما وجدت فيهم غير مخلص وفي واحد اعتمدت عليه وشاطرته هناءتي وشقائي إلى أن حز رأسينا ذاك الطاغية الجبار، وأراحنا من آلام الدنيا وفاجعاتها.»
صفق له الجميع تصفيق الإعجاب قائلين: «لا فض فوك أيها الحكيم.»
ناپیژندل شوی مخ