124

خیالونه

خواطر ثروت أباظة

ژانرونه

وحين ضمنت الدولتان الكبريان ألا حرب بينهما، قسمتا العالم بينهما، فأما إحداهما فتجتذب أنصارها من الدول بسكب المال عليها، وإشعارها دائما أنها تحتاج إليها.

وأما الأخرى فقد سلكت طريقا مختلفا كل الاختلاف، فهي تسلب الدول الواقعة في حوزتها مالها، وتفرض عليها نظامها فرضا لا رحمة فيه ولا شفقة، حتى إذا حاولت دولة كالمجر أن تثور انطلقت إليها الدبابات الروسية تدوس الأطفال وتفعصهم كالهوام والحشرات، وإذا حاولت دولة أخرى أن تغير بعض الأنظمة فيها تهطل عليها خمس دول تتزعمهم روسيا بالسلاح وتسحق محاولة التغيير.

وتنتشر الحروب الصغيرة لتعوض العالم عن الحروب الكبرى، فهو عالم دموي قوي الأواصر بأجداده من عصر الغاب فهو بذلك أصبح لا يستطيع العيش إلا على الدماء ... وويل للمغلوب!

تسرق إسرائيل فلسطين، وتتوالى الحروب بين مصر وإسرائيل، ونهزم هزيمة 67، فإذا العالم المتحضر جميعا يشيح عنا بوجهه، ويبدأ التعايش السلمي على أشلاء الجثث المصرية في سيناء، وتتفق الدولتان الكبريان أول اتفاق لهما على أن يتركا المنطقة في حالة استرخاء عسكري. ولم لا وقد غلبت دولة أخرى غلبة ساحقة، وأصبح من المؤكد أن مصر لن تستطيع أن ترفع رأسها إلى أبد الآبدين، فلا خوف إذن من المنطقة، وخير ما يصلح لها هو الاسترخاء العسكري، فما دمت لا تستطيع أن تغلب مت، هذا هو منطق الحضارة الرفيعة في قمة مجدها لا تختلف في شيء عن منطق الغاب السحيق البعد في غياهب التاريخ ... اغلب أو مت ... وما الاسترخاء على الهزيمة؟ أليس هو الموت؟ وما البأس بك أن تموت ما دمت لا تستطيع أن تنتصر، على هذا تتفق الدولتان ... الدولة التي تكتب على عملتها «بالله نحن نؤمن» والأخرى التي ترفع شعار المادية وتعتمد فلسفتها على الشعار الذي رفعوه «بالله نحن نلحد» أقصى الروحانية وأقصى المادية ... كلاهما اتفق على أن الاسترخاء هو الأخلق بالمنطقة والأجمل بها والأحرى.

وتشمخ علينا الأنوف أننا هزمنا، وتتعالى نغمات الاحتقار من الصديق قبل العدو، ونرتكس في الذل والمهانة والإحباط، ونمشي في البلاد العربية التي استمدت ثقافتها وحضارتها من ثقافتنا وحضارتنا منكسي الرءوس، انكسرت منا العيون وذلت الرقاب وانهزمت نفوسنا داخل نفوسنا، فكان كل فرد منا يحس أنه هو نفسه هزيمة 67، لا يحملها وإنما يمثلها، فهي هو، وهو هي.

وننتفض لنحقق أول نصر عربي في العصر الحديث، فإن الدولة التي تمثل قمة الحضارة تلتفت إلينا في دهشة، إكبارا، ويصبح العجب إعجابا، والتعجب إجلالا، وتنتصر نفوسنا داخل نفوسنا، ويمثل كل منا انتصار 73 وكأنه هو الانتصار، ألم تستطع الدول المتحضرة أن تذكر حضارتنا حين كان العالم في جهل ومجاهل؟

ولم تستطع أن تذكر تزعمنا الثقافي للمنطقة جميعا حتى ونحن في أشد أوقات الهزيمة والاندحار.

ولم تستطع أن تذكر أننا مهد النبوات، وأرض الرسالات، ومشرق الفكر الديني، وأغنى بلاد العالم بالآثار، ففيم إذن يكتبون على عملتهم «بالله نحن نؤمن»؟

إنها شريعة الغاب، لم تترك نفس الإنسان حتى وهو في أرقى عهود حضارته وسموقه ... أينسون كل هذا ولا يلفتهم إلينا إلا أننا حققنا النصر الأخير؟ ألم يكن تاريخنا جميعا نصرا لنا وللإنسانية؟

ويل للإنسان من الإنسان!

ناپیژندل شوی مخ