أكان يريد حقا أن يقف للأستاذ على رأسه، وأن يطلق رجليه في الهواء؟ يا له من مبتكر بارع! ويا لها من صورة بديعة! ويا لها من مهارة فائقة لا يستطيع أن يباريه فيها إلا «الأزعر الطمطماني» أعظم مضحك بالمدينة! واجتمع الناس حوله لارتفاع صوته وكثرة إشارته، ثم انطلق يقول: كان أبوك بالأمس خيرا منه اليوم حين قال لأبي الحسين المري:
خير أعضائنا الرءوس ولكن
فضلتها بقصدك الأقدام
ثم هلم إلي يا بني هلم! أللإنس يقول أبوك الشعر أم للجن؟ أيقوله ليفهمه الناس أم ليتمتموا به على رءوس المرضى والمصروعين لطرد المردة والشياطين؟ أشهد أني حللت الطلاسم، وفككت الألغاز، وتعلمت لغة الجن، وقرأت خطوط الفراعنة، ولكني لم أفهم قول أبيك:
لا تجزني بضنى بي بعدها بقر
تجري دموعي مسكوبا بمسكوب
لقد كنا نشمئز من أن يتغزل الشعراء في الغزلان حتى جاء أبوك فتغزل في البقر! ثم إني أتحدى السيد الشريف، وهو ابن أفصح قريش، أن يدلني على معنى لهذا الكلام الخنفشاري! فخجل الشريف، وزاد في خجله ازدحام الناس وانتصار بعض طلاب العلم لشيخهم الموسوس، فقال: إن في البيت خفاء من غير شك، ولكن الشاعر يسأل الله ألا تجزيه الحسان بالضنى الذي حل به ضنى يحل بهن، كما جزين دمعه المسكوب بدمع سكبنه لفراقه. فصاح المجنون: الله الله! سبحان الفتاح العليم! سبحان المنعم المتفضل واهب القوى والقدر! ألا قال كما يقول الناس:
لا قدر الله أن تضنى ضناي بها
كما جزتني مسكوبا بمسكوب
على أن المعنى بعد كل هذا ضئيل سخيف، لو رأيته ملقى على قارعة الطريق ما مددت يدي لالتقاطه. ثم أنحى بعصاه على حماره وهو يصيح: أسرع بنا أيها الحمار قبل أن يفسد ذوقي وذوقك!
ناپیژندل شوی مخ