الحضور بين يدي الملك العلام ويكثر النظر في المرغبات المحركة للنفس إلى طاعة رب السماوات كالتفكر في تلك الجنان وما فيها من الحور والولدان والتأمل في تلك الأشجار الحاوية لما تشتهيه الأنفس من الثمار فينبغي للعاقل ان يفرض الجنة كأنها بين يديه ويخيل النار كأنها مشرفة عليه هذه تسوقه وتلك تقوده فليخش من لحوق السائق وليحكم الجاذب حذرا من انقطاع الزمام بيد القائد وهذه المعارف الثلاث أصول الاسلام فمن أنكر منها واحدا " عرف بالكفر بين الأنام ولا فرق بين انكارها من أصلها وبين عدم معرفتها وجهلها نعم يحصل الاختلاف في بعض شعوبها وأقسامها وضروبها فان منها ما يكون عدم العلم به مكفرا من دون فرق بين الانكار والشك والذهول تساهلا ومنها ما يكون كذلك بشرط الانكار والجحود ومنها ما يكون فيه ذلك مع الانكار والشك فقط وبعضها يلزم منها العصيان دون الكفر وهو منقسم إلى تلك الأقسام فمن أراد تمام المعرفة فليراجع إلى بعض العارفين ليقف على حقيقة ذلك والله ولي التوفيق المبحث الرابع في العدل بمعنى انه لا يجور في قضائه ولا يتجاوز في حكمه وبلائه يثيب المطيعين وينتقم بمقدار الذنب من العاصين ويكلف الخلق بمقدورهم ويعاقبهم على تقصيرهم دون قصورهم ولا يجور عليه ان يقابل مستحق الأجر والثواب بأليم العذاب والعقاب، لا يأمر عباده الا بما فيه صلاحهم ولا يكلفهم الا بما فيه فوزهم ونجاحهم الخير منشأه منه والشر صادر عنهم لا عنه ويكفي في البرهان عليه غناه عن الظلم وعدم حاجته إليه والله تعالى منزه عن فعل القبيح كما يشهد بذلك العقل الصحيح مع أنه أمر بالعدل والاحسان وذم الظلم وأهله في صريح القران وأحال الظلم على ذاته كما دل عليه صريح آياته وكرر اللعن على الظالمين في محكم كتابه المبين وأخرجهم عن قابلية الدخول في جملة الأوصياء والمرسلين بقوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين وقد جرى مثل ما ذكرناه وحررنا وسطرناه على لسان أنبيائه وخاصة أوصيائه وأوليائه الذين دلت على صدقهم المعجزات وقامت عليه البراهين والآيات وقد شهدت بثبوت العدل متواترات الاخبار وقامت عليه ضرورة مذهب صفوة الأبرار ثم أول درجات اللطف العدل وبعدها مراتب الرحمة والفضل وعليه يبنى العفو عن المذنبين والتجاوز عن الخاطئين والمقصرين فلا ييأس المذنب عن عفوه طمعا في فضله ولا يقطع على نجاة نفسه حذرا من أن يعامله بعدله فقد وصف نفسه بشدة العقاب وفتح للتوبة أوسع باب وأمر بكثرة الرجاء عصاة الناس ونهاهم عن القنوط من رحمته والأياس وحذرهم من سطواته ودلهم على سبيل طاعاته وقوى أم المسرفين وحقق رجاء المسرفين بقوله تعالى يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا وقال تبارك وتعالى إن الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وسمى نفسه بالتواب والرؤوف والرحمن والرحيم والعطوف ويكفي في معرفة العدل ذلك المقدار ولا يجب على الناس ادراك ما يفهم أهل الأفكار والانظار من معرفة مقادير جزاء الطاعات وما يستحقه العصاة من العقاب على التبعات والله ولي التوفيق المبحث الخامس في الإمامة فإن من الواجب على كافة البشر معرفة من عاصرهم أو تقدمهم من الأئمة الاثني عشر لشهادة العقل بوجوب وجود المبين للأحكام كما حكم بلزوم وجود المؤسس للحلال والحرام لمساواة الجهتين وحصول الجهالة عند فقد كل من الامرين ولكثرة المجملات في القران وفي الأخبار الواردة عن سيد ولد عدنان ولورود كثير من المتشابهات في كثير من الآيات مع عموم الخطابات للمكلفين على ممر الأوقات ولان انقطاع معاذير العباد فيما يرتكبونه من أنواع الضلال والفساد موقوف على وجود من يؤمن من الخطاء بالنسبة إليه ولا يجوز العقل النسيان والعصيان عليه وقيام الحجة بالوجود من غير بيان ثاقب حيث كان الباعث لغيبته ما يخشاه على نفسه من أهل الجور والطغيان وكفى في إثبات وجوب وجود الامام مدى الدهر ما اتفق لهشام في بعض الأيام مع عمرو حيث سأله ألك أذن ألك لسان حتى اتى على تمام حواس الانسان ثم قال ألك قلب فانعم في الجواب فقال وما تصنع به فقال ليميز خطأ تلك الحواس من الصواب فقال أتظن بمن يتكفل بنصب ميزان لتلك الحواس لا ينصب إماما يميز الحق لكافة الناس فانقطع عمرو من الكلام ولم يزد على أن قال له انك أنت هشام على أنه متى وجب وجود الامام في وقت لزم استمراره مدى الأيام لأن علة وجوبه في الابتداء مستمرة على الدوام ويكفي في اثبات الأبدية ما تواتر من الجانبين من السنة المحمدية ان من مات ولم يعرف امام زمانه بين يديه فقد مات ميتة جاهلية وما تواتر نقله من الطرفين على كون كتاب الله وعترة نبيه مقترنين حتى يردا على النبي (صلى الله عليه وآله) ويصلا إليه ويشهدا على تمام الأمة (بين يديه) وحيث تبين عدم جواز خلو الأرض من حجة على الدوام وامتنع حدوث الأنبياء بعد نبينا (صلى الله عليه وآله) تعين الامام ويمكن بعد امعان النظر فيما ذكرناه اثبات الإمامة الأئمة الاثني عشر لان كل من قال ببقاء الإمام قال بذلك سوى طوائف لا عبرة بها بين أهل الاسلام ومما ينبغي التمسك به في هذا المقام ما اشتهر بين علماء الاسلام من أنهم بين قولين لا ثالث لهما ومفترقون على مذهبين لا يخرجون عنهما، أحدهما ان الإمامة بالرأي والاختيار، ثانيهما انها بتعين من العزيز الجبار وبطلان الأول واضح ليس فيه خفاء ولا يرتضيه أحد من آحاد العقلاء لأنه يستحيل على الحكيم ان يحيل إلى خلقه هذا الامر العظيم الذي عليه مدار الاحكام وامتياز الحلال من الحرام وكشف حقايق الأشياء وتميز تكاليف رب السماء مع أنه لم يحل إليهم شيئا أمر به من الواجبات ولا أقل شئ من المسنونات والمندوبات مع أن في تلك الإحالة بعثا على إثارة البغضاء وإقامة المنازعة الشديدة والشحناء كما يظهر من تتبع أحوال المهاجرين والأنصار حين فقدوا النبي
مخ ۶