خریطه معرفت
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
ژانرونه
6
أمضى جوتنبرج سنوات عدة في إتقان تصميمه، ولكن بحلول عام 1450 كان قد عاد إلى ماينز، مسقط رأسه، وافتتح أول مطبعة. بعد مضي خمسة أعوام، طبع نحو 180 نسخة من عمله الأشهر، طبعة جوتنبرج للكتاب المقدس، في غضون بضعة أسابيع. كان النساخ سيمضون أعواما ليكملوا نفس المهمة، وكانت هذه الزيادة الهائلة في سرعة الإنتاج هي التي جعلت من آلة الطباعة شيئا بالغ الأهمية. لم يغب عن جوتنبرج ولا معاصريه العبقرية الرائدة في اختراعه، وانتشر الخبر كالنار في الهشيم. أعجب بيوس الثاني، الذي كان سيتولى منصب البابا في المستقبل القريب، بعينات من الكتاب المقدس المطبوع في فرانكفورت، وكتب إلى أصدقائه في إيطاليا يصف لهم مذهولا كم كانت حروف الطباعة واضحة. تدرب الرجال على صنع وتشغيل الطابعة، وهي مهارة انتشرت سريعا، في نطاق ألمانيا أولا وبعد ذلك في بلدان أخرى، وبخاصة إيطاليا.
7
على الفور رأى الفينيسيون، الذين يتحينون الفرص دائما، إمكانيات آلة الطباعة، وفي عام 1469، أصدروا لصالح يوهان من شباير امتيازا (احتكارا) لطباعة الكتب في فينيسيا، ينص على أنه: «سوف يحظى اختراع عصرنا الغريب هذا، رغم كونه مجهولا عبر الأزمنة السابقة، بالتشجيع والتحسين بكل السبل.»
12
مات يوهان في السنة التالية، ومات معه احتكاره؛ مما أتاح لآخرين، ومنهم شقيقه، ويندلين، أن ينشئوا مطابع في المدينة. وفي غضون ثلاث سنوات، كان قد نشر أكثر من 130 طبعة؛ وكان أكثر من نصفها عن الأدب الكلاسيكي وقواعد اللغة، وكانت المجموعة التالية الأكبر من النصوص هي النصوص الدينية، وكانت البقية كتبا في القانون أو الفلسفة أو العلوم. لم يكن ثمة شك في أنهم كانوا قد ساندوا أمرا ناجحا. في الحقيقة، كانت المدينة تمتلك كل الظروف اللازمة لازدهار الطباعة؛ جمهور ضخم من القراء المتعلمين، وقطاع بنوك جيد التنظيم لتوفير التمويل، وحكومة تمتلك روح المبادرة، وشبكة تجارة راسخة، والأهم إمدادات مضمونة من الورق من الأقاليم الفينيسية في البر الرئيسي. كان مجال صناعة الورق في ذلك الوقت قد صار مستقرا تماما في أوروبا، بعد أن استغرق قرونا عديدة لينتقل من بغداد إلى إيطاليا، عبر إسبانيا. الأهم من كل ذلك، أن المدينة لم تكن ترحب بالأجانب فحسب، بل كانت تدعوهم بالفعل إلى المجيء؛ فالجيل الأول من العاملين في مجال الطباعة جاء كله من ألمانيا، لينضم إلى المجتمع المزدهر للتجار الذين اجتمعوا في فونداكو دي تيديسكي. نتيجة لذلك، برزت فينيسيا سريعا في الطباعة. وبحلول عام 1500، كان يوجد نحو ثلاثين مطبعة تعمل في المدينة، وكان مصدر ما بين 35 و41 في المائة من مجموع عدد الكتب المطبوعة قبل عام 1500 مطابع فينيسية.
شكل 8-3: خريطة من القرن الخامس عشر لفينيسيا.
سرعان ما انطلقت الطباعة في فينيسيا، ولكنها دون شك لم تكن مهنة لذوي القلوب الواهنة؛ إذ كان الطابع يحتاج إلى طائفة عسيرة المنال من المهارات والخبرات؛ من أشغال الخشب والكيمياء واللغات وعلم المعادن. كان يتعين أن يكون فنانا ورجل أعمال وباحثا في الوقت نفسه، ثم أضف إلى ذلك المطبعة، التي كانت مكانا صاخبا خطرا حيث كان التعامل مع أحواض من الزيت المغلي التي تخرج الفقاعات وحيث التعامل مع المواد الكيميائية التي تسبب التآكل والزفت المشتعل (لصنع الحبر الأسود) من الأشغال اليومية، ناهيك عن تشغيل إطارات الطباعة الخشبية الثقيلة نفسها. كان كثير من الطابعين غير قادرين على التعامل مع التحديات التقنية الضخمة للعملية والنفقات المالية اللازمة لإنتاج الكتب. كان التنافس حامي الوطيس، وتوقف كثيرون عن العمل وخسروا كل شيء، ولم يتمكن سوى 25 بالمائة فقط من تجنب الإفلاس لأكثر من خمسة أعوام. كانت مطابع فينيسيا متركزة في منطقة ميرسيريا حيث الشوارع الضيقة المكتظة التي تصل بين ساحة سان ماركو وريالتو؛ كانت اللافتات التي تظهر أجهزة الطباعة الفردية الخاصة بكل مطبعة تتأرجح أمام كل منها، وكانت الكتب موضوعة خارجا على طاولات ليستعرضها الزبائن، بينما كانت الطابعات تقرع في الورش في الخلف.
أخرجت المطابع أنواعا كثيرة مختلفة من الكتب؛ كتبا في الأدب الكلاسيكي، وأدلة فلكية، وكتبا مدرسية، وكتبا مقدسة، وأدلة عملية، وعددا مذهلا من الأعمال العلمية. فيما يتعلق بالنشر العلمي في فينيسيا في أواخر القرن الخامس عشر، كانت الشخصية الأبرز هي رجلا يحمل اسما غير جذاب هو إرهارد راتدولت. جاء راتدولت إلى فينيسيا من موطنه ألمانيا في عام 1475، بعد بضع سنوات فقط من بدء تشغيل أول دار طباعة، وانضم إلى ألمانيين آخرين وأنشئوا مطبعة. كان أول كتاب طبعوه هو كتاب ريخيومونتانو «التقويم»؛
8
ناپیژندل شوی مخ