خریطه معرفت
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
ژانرونه
شكل 5-3: شكل بياني من مخطوط يحتوي على ترجمة جيرارد الكريموني لكتاب «القواعد» (جداول طليطلة) للزرقالي.
أما فيما يتعلق بمسألة هوية ممول ترجمات جيرارد؛ فليس بوسعنا إلا أن نخمن، ولكن كونه رجلا كنسيا ينتمي إلى الكاتدرائية يجعل رئيس الأساقفة يوحنا الطليطلي (1152-1166) مرشحا محتملا. من المحتمل أن جيرارد كان مدرجا في كشوف رواتب الكاتدرائية، ولكن مع واجبات كنسية بسيطة أتاحت له حرية أن يكرس جل وقته للترجمة. وبالطبع، من المحتمل أيضا أنه كان موسرا يمتلك ثروة خاصة به، وقادرا على تمويل نفسه. فحسبما أورد تلاميذه، كان جيرارد «يتحاشى الثناء المتملق والأبهة الفارغة لهذا العالم»، وكان «عدوا لرغبات الجسد».
16
لم يكن شخصا تافها، وإنما كان شخصا منح تركيزه كله لعمله ولم يكن بحاجة إلى متع الحياة. يبدو واضحا بلا شك من العدد الهائل من الترجمات التي قام بها أنه - لا بد - أمضى جل وقته على مكتبه.
ذهب جيرارد إلى طليطلة ليعثر على كتاب «المجسطي»، ولكن من المرجح أنه لم يقطع شوطا طويلا فيما يتصل بعمل بطليموس العظيم قبل أن يدرك أنه كان بحاجة إلى استيعاب كتاب إقليدس أولا. فكما رأينا، كانت أطروحة «العناصر » بمثابة نقطة الانطلاق إلى علم الفلك و«هكذا فإنه من الصعب أن نعطي ترجمات العمل الكامل إلى اللاتينية في النصف الأول من القرن الثاني عشر ما تستحق من الأهمية».
17
في عام 1100، كان كل ما هو متاح من أطروحة «العناصر» باللاتينية هو أجزاء صغيرة من الكتب بدءا من الأول إلى الرابع، ترجمها بوثيوس في القرن الخامس، وكادت ألا تحتوي على أي براهين أو أشكال بيانية. بحلول عام 1175، كان يوجد ستة إصدارات من النص الكامل؛ إذ كانت أوروبا قد استفاقت وأدركت أهمية نظريات إقليدس وكان الباحثون اللاتينيون يبذلون قصارى جهدهم لفهمها ونقلها.
كان إصدار جيرارد اللاتيني لأطروحة «العناصر» هو ثاني ثلاث تراجم من العربية في القرن الثاني عشر. الأولى قام بها أديلار الباثي، وشكل أساسا للنسخة الثالثة التي أنتجها هيرمان الكارينثي وروبرت الكيتوني. على ما يبدو أن جيرارد قد استعان في الأساس بنسخة إسحاق وثابت، مع أجزاء معينة من ترجمة الحجاج. قد يعني هذا أنه كان لديه نسختان عربيتان أمامه، ولكن ربما، بالمثل، كان ينسخ نصا يجمع بالفعل بين الاثنين؛ فكما رأينا في الفصل السابق، وجدت توليفات من النصين في عدد لا يحصى من النسخ المختلفة بعد الإنشاء الأصلي لهما مباشرة، في القرن التاسع. لأن نص جيرارد كان مستندا بالأساس إلى نسخة إسحاق وثابت، فإنه النص الأقرب إلى النص اليوناني الأصلي بل إنه يشتمل على بعض الكلمات اليونانية. كذلك أدرج كل براهين إقليدس كاملة؛ وهو تحول مهم عن النسخ الأخرى وأمر جعل فهم ما كتبه إقليدس أيسر. كانت طريقة جيرارد المعتادة هي أن يترجم ترجمة حرفية، بترجمة كل كلمة منفردة، بدلا من محاولة نقل المعنى العام للنص؛ وهي طريقة شائعة في أوساط المترجمين في طليطلة في منتصف القرن الثاني عشر. ومن المثير للاهتمام، أن أطروحة «العناصر» بترجمة جيرارد كان أكثر تأثيرا بقليل من ترجمة هيرمان، ولكن طغى على الاثنتين ترجمة أديلار، التي انتشرت على نطاق أوسع بكثير وبقي منها عدد أكبر من المخطوطات، على الرغم من عدم وضوح أسباب ذلك. شكلت ترجمة أديلار أساس النص المنقح الذي أنتجه عالم الرياضيات الإيطالي العظيم الذي عاش في القرن الثالث عشر كامبانوس النوفاري، وكان هذا النص بمثابة أول نسخة تطبع، في مدينة البندقية، في عام 1482.
إذا كان جيرارد قد اتبع الترتيب المقبول فيما يتعلق بدراسة الرياضيات والفلك، فمن المحتمل أن يكون قد ترجم أطروحة «العناصر» أولا، قبل الشروع في ترجمة «المجموعة الوسطى» (النصوص التي كان يفترض قراءتها بعد أطروحة «العناصر» وقبل كتاب «المجسطي») ثم أخيرا بدأ في ترجمة كتاب «المجسطي». من المحتمل أنه لم يكن لديه القدرة على نشر عمله بقدر كبير من الفعالية في بداية حياته العملية، وأن صلاته تحسنت بمرور الوقت، ولهذا كانت نسخته من كتاب «المجسطي» أكبر تأثيرا بكثير من ترجمته لأطروحة «العناصر». وبغض النظر عن مدى تأثير كل من الكتابين على حدة، فقد ساهمت كل إصدارات القرن الثاني عشر لأطروحة «العناصر» في جدل ازداد احتداما حول الرياضيات الإقليدية واستمر هذا الجدل حتى القرنين الثالث عشر والرابع عشر. نقلت النظريات نفسها بطرق مختلفة كثيرة؛ منها التراجم الكاملة، والتراجم الجزئية، والتجميعات، والنسخ اللاتينية من التعليقات العربية، والتعليقات اللاتينية الجديدة، والأعمال الأصلية لباحثين لاتينيين. بقي إلى وقتنا الحاضر سبع نسخ من ترجمة جيرارد لأطروحة «العناصر»؛ واحدة في كل من أكسفورد وبولوني وبروج وباريس، والنسخ الثلاث الباقية في مكتبة الفاتيكان. لا تذكر أي من هذه النسخ جيرارد بالاسم، وصدرت كلها تقريبا خلال القرن الرابع عشر. أربع منها فقط هي نسخ كاملة من ترجمة جيرارد؛ وتحتوي النسخ الأخرى على خليط من النصوص من الإصدارات المختلفة التي صدرت في القرن الثاني عشر، وهو ما يبين أن من نسخها كان لديه إمكانية الوصول إلى مخطوطات عديدة.
كما نعرف من الوقت الذي قضيناه في بغداد، فإن الرياضيات كانت قد اتسعت اتساعا كبيرا لتشمل أكثر بكثير من مجرد الهندسة الإقليدية، وتعكس كتب الرياضيات الأخرى التي ترجمها جيرارد هذا الأمر. كان الخوارزمي قد استهل دراسة الحساب مستخدما الأرقام الهندية العربية والنظام العشري في «كتاب الجمع والطرح وفقا للحساب الهندي»، وصنف الجبر بوصفه موضوعا منفصلا في كتاب «الجبر». أعيد إصدار هذين النصين باللغة اللاتينية بأشكال متنوعة من القرن الثاني عشر وما بعده. وترجم روبرت التشستري (الذي عادة ما يخلط بينه وبين روبرت الكيتوني) كتاب «الجبر» في شقوبية سنة 1145، وترجم أيضا بواسطة جيرارد في طليطلة، بينما ساعدت النسخ اللاتينية من كتاب الخوارزمي عن الحساب على نشر النظام العشري في أوروبا.
ناپیژندل شوی مخ