خریطه معرفت
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
ژانرونه
شكل 4-4: ترميم حديث لبعض من أدوات الزهراوي الجراحية الدقيقة، معروضة في متحف برج كالاهورا. الأداة الموجودة في المقدمة يسارا توصف بأنها: «بلطة تستخدم في جراحة الأوردة.»
هيمن رجل واحد على ذلك الجيل. كان أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي (936-1013) أحد العمالقة حقا في تاريخ الطب. لا نعلم إذا ما كان سافر شرقا بحثا عن المعرفة، ولكنه تعلم على يد المجريطي، وعينه الحكم الثاني، ابن عبد الرحمن الثالث ووريثه، طبيبا للبلاط؛ لذا أمضى جانبا كبيرا من حياته في المدينة - القصر المعروفة باسم مدينة الزهراء؛ ومن هنا جاء اسمه. في أواخر حياته، ألف الزهراوي كتابا جامعا ضخما بعنوان «كتاب التصريف» (عادة ما يعرف باسم «منهج الطب»)،
11
والذي استمر ليصبح حجر زاوية للممارسة الطبية في أواخر العصور الوسطى، متخذا مكانه إلى جانب كتاب الرازي «الحاوي في الطب» وكتاب ابن سينا «القانون في الطب» على أرفف كتب الأطباء في أنحاء أوروبا.
12
كان «كتاب التصريف»، الذي يعد دليلا شاملا للطب، يتكون من ثلاثين أطروحة تتناول الأمراض والأعراض والعلاج والنظام الغذائي وتحضير العقاقير البسيطة والمركبة واللصقات والعلاجات والمراهم اتباعا للتقليد الذي انتهجه كتاب «المواد الطبية». وكان القسم الأخير، الذي يشكل نحو ثلث الكتاب، مخصصا للجراحة، وهذا هو السبب الأبرز وراء شهرة الزهراوي.
في مقدمته يتحسر الزهراوي على أن «العمل باليد محسنه في بلدنا وفي زماننا معدوم البتة»، قبل أن يتابع ويؤكد ضرورة أنه يتعين على الممارس «أن يرتاض قبل ذلك في علم التشريح، الذي وضعه جالينوس، حتى يقف على منافع الأعضاء، وهيئاتها، ومزاجاتها واتصالها وانفصالها، ومعرفة العظام والأعصاب والعضلات، وعددها ومخارجها، والعروق والنوابض والسواكن، ومعرفة مخارجها».
11
كذلك تأثر بالأطباء العرب، وبشكل خاص الرازي، وبالموسوعي بولس الأجانيطي من العصر القديم المتأخر، والذي كان كتابه عن الجراحة مصدرا مهما للمعلومات.
كان نهج الزهراوي العملي مستندا على تصميم الأدوات الجديدة، التي كان كثير منها مستخدما منذئذ؛ الملقط، والمنظار، ومنشار العظم، ومبضع استخراج حصاة المثانة، والسكين المخفي، والخطاف الجراحي، ومقصلة اللوزتين، والملعقة والقضيب، والإبرة والمحقن وأدوات أخرى كثيرة. ليس هذا فحسب، بل وضع أيضا رسوما بيانية مفصلة وتوضيحات عن كيفية صنع واستخدام هذه الأدوات، وهي سابقة في العالم الإسلامي. ويوجد ترميم لهذه الأدوات معروضة في متحف برج كالاهورا في قرطبة. ونظرا لكونها موضوعة على وسائد حمراء لامعة، يمكن بسهولة أن يخطئ المرء ويحسبها قطعا جميلة من الحلي، ولكن البطاقات أسفلها لا تدع لك مجالا للشك بشأن وظائفها؛ تجد مكتوبا على إحداها: «بلطة تستخدم في جراحة الأوردة.» كان نهج الزهراوي في الطب مبدعا وعمليا؛ إذ كان له الريادة في مواد التخدير بإعطائه لمرضاه إسفنجات منقوعة في أفيون وقنب من أجل استنشاقها، وكان أول شخص يستخدم الخيط الجراحي من أجل الخياطة الداخلية؛ وهو عبارة عن مادة طبيعية تذوب بسهولة داخل الجسم البشري دون أن تسبب عدوى، ويستخدمها الأطباء منذ ذلك الحين. واستحدث علاجات للاعتلالات النفسية، منها علاج يعتمد على الأفيون، دعاه «جالب السعادة والسرور؛ لأنه يريح النفس، ويطرد الأفكار السيئة والهموم، ويلطف الأمزجة، ومفيد ضد المالنخوليا».
ناپیژندل شوی مخ