خریطه معرفت
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
ژانرونه
والذي ولد في رندة سنة 810، مجموعة مدهشة من الاهتمامات البحثية، وعينه منجما للبلاط عبد الرحمن الثاني. لم يكن من السهل التحقق من الحقائق الفعلية لحياته، ولكن يقال إنه سافر إلى بغداد للدراسة، قبل أن يعود إلى الأندلس، حيث درس الرياضيات والموسيقى وكتب الشعر، واخترع طريقة مبتكرة لقطع الكريستال الصخري،
6
وصمم وأنشأ ساعة مائية وكرة ذات الحلق (تستخدم في الفلك) وقبة فلكية. لكن أكثر ما يشتهر به هو محاولته الطيران بتغطية نفسه بريش والقفز من برج (أو جرف، حسب القصة)، ممسكا بأجنحة مصممة تصميما خاصا. وبمعجزة ما، نجا، على الرغم من كونه في الستينيات من عمره، فخلص إلى أنه لم يكن يدرك أهمية ذيول الطيور في عملية الهبوط.
رغم تجاربه المتهورة، عاش ابن فرناس حتى بلغ من العمر أرذله. وأسهم في بدء تقليد بحثي بلغ أوجه في القرن التالي عندما جلس عبد الرحمن الثالث على العرش. ولد عبد الرحمن الثالث في عام 891. كان حفيد الأمير السابع، عبد الله، الذي تجاوز، على نحو مثير للجدل، أبناءه الأربعة كلهم في تنصيبه لحفيده خلفا له. كانت أم عبد الرحمن أمة مسيحية، وجدته كانت أميرة مسيحية، ابنة ملك بامبلونا؛ لذا كان للأمير الجديد خلفية عرقية ودينية مختلطة، وعينان زرقاوان وشعر أشقر، وعلى ما يبدو أنه صبغه بلون أسود ليجعل نفسه يبدو عربيا أكثر. مات عبد الله تاركا الأندلس في حالة فوضى، تعصف بها نزاعات داخلية وحركات تمرد، ويهددها من الشمال ملك أستورياس المسيحي والفاطميون المستقرون في شمال أفريقيا من الجنوب. من المحتمل أن التفاؤل لم يملأ المعلقين السياسيين المعاصرين عندما اعتلى العرش عبد الرحمن ذو الواحد والعشرين ربيعا؛ إذ لم يكن بوسعهم أن يدركوا أنه سوف يصبح أهم وأنجح زعيم في تاريخ إسبانيا الإسلامية. تكلم عبد الرحمن، الذي كان متعلما تعليما جيدا ومثقفا، العديد من اللغات بطلاقة وكان راعيا متحمسا للبحث العلمي. أسس جامعة في مسجد قرطبة «لا مسكيتا» وشجع الباحثين على العمل على النصوص العلمية التي جلبت من الشرق. كانت جهود الخوارزمي في علم الحساب الهندي وجداوله الفلكية (الزيج)، التي جلبها على الأرجح عباس بن فرناس إلى الأندلس في منتصف القرن التاسع، شديدة التأثير، وقد شكلت علم الفلك الأندلسي. تحت رعاية عبد الرحمن الثالث، عمل المجريطي (الذي يوحي اسمه بأنه ولد في مدريد) على مواءمة «الزيج» مع إحداثيات الطول الخاصة بقرطبة حتى يتسنى لهم استخدامها لتوقع حركات النجوم، والتثبت من اتجاه مكة واستنباط المواقيت الصحيحة للصلوات خلال اليوم. كان الفلك أداة حيوية للسلطة، وفهم عبد الرحمن أهمية ملء بلاطه بالباحثين المتفرغين لدراسة النجوم ومعرفة كيفية التنبؤ بحركاتها؛ ومن ثم، التنبؤ بالمستقبل.
كان المجريطي عضوا قياديا في دائرة الباحثين في بلاط عبد الرحمن. كانوا يقومون بعمليات رصد دورية، ويعملون معا لتحسين دقة جداولهم وتصحيح النظرية الفلكية. كان المجريطي معلما عظيما وموجها للجيل التالي من العلماء، وقامت على معارفه مدرسة. كان بذلك شخصية بالغة التأثير في تطور علم الفلك والرياضيات في الأندلس، وانتقل تلاميذه إلى مدن أخرى، وأخذوا أفكاره معهم. كان المجريطي «شديد الولع بدراسة كتاب بطليموس المعروف باسم «المجسطي» وفهمه»،
8
كما ورد أيضا أنه قام بترجمة لكتاب بطليموس المسمى «خريطة النجوم»، الذي لم يكتب له البقاء بالعربية، وإنما فقط بالترجمة اللاتينية التي أجريت في طليطلة في القرن الثاني عشر. علم المجريطي تلاميذه كيفية استخدام الأجهزة الفلكية استخداما صحيحا، وكيفية صنع أجهزتهم بأنفسهم. وواصل ابن الصفار، أحد تلامذة المجريطي، عمل المجريطي على الأسطرلابات، وكانت الأطروحة التي كتبها ابن الصفار لاحقا ذات أهمية كبيرة حتى إنها كانت لا تزال تستخدم بواسطة الفلكيين في القرن الخامس عشر. صنع كل من المجريطي، والصفار وتلميذ آخر من تلاميذه يدعى ابن السمح نسخا جديدة من جدول الخوارزمي المسمى «الزيج»، وعملوا على مواءمتها مع الموقع الجغرافي لقرطبة. كتب ابن السمح أيضا كتابا يفسر الهندسة في أطروحة إقليدس «العناصر»، كما كتب أطروحتين عن الأسطرلاب.
نتيجة لذلك، أنتجت الأندلس تراثا ثريا من البحوث الفلكية المستندة على عمليات رصد دقيقة أجريت على مدى فترات طويلة من الزمن. كيف علماء الفلك الأندلسيون أحدث النظريات الآتية من الشرق لتلائم حاجاتهم وموقعهم، وعادوا إلى بطليموس ليدرسوا ويفندوا ويصححوا عمله، واستفادوا من أفكار مستقاة من الرياضيات الهندية ومن أطروحة «العناصر» لإقليدس لينتجوا مساهماتهم في عملية التقييم والتحسين المتدرجة التي تقود البحث العلمي للأمام. عززت المستويات المرتفعة من الحرف اليدوية المحلية، بخاصة في أشغال المعادن، من تقدمهم، وهو ما استغلوه لصنع أجهزة أكثر دقة ونفعا من أي وقت مضى. ليست مصادفة أن والد ابن الصفار كان عامل نحاس أصفر، وأنتجت هذه الشراكة الخصبة بين الفن والعلم بعض الأشياء ذات الجمال المدهش.
استقطب بلاط عبد الرحمن أذكى الشباب وأكثرهم طموحا من كل أرجاء شبه الجزيرة. ولم يكن أحد أكثر ذكاء أو طموحا من شاب يهودي من مدينة جيان يدعى حسداي بن شبروط، الذي عين في البداية طبيبا للبلاط. كشأن سيده عبد الرحمن، كان حسداي باحثا موهوبا، ويتكلم العديد من اللغات بطلاقة (وفي ذلك اللاتينية، التي كانت من ناحية أخرى لا يفهمها إلا قلة قليلة من الكهنة المسيحيين)، وجذابا، ورفيع الثقافة، وبارعا؛ كان لديه كل ما يتمناه حاكم في مستشاره. ولم يمض وقت طويل حتى صار حسداي رجلا لا غنى عنه لدى عبد الرحمن، الذي عينه مسئولا عن الجمارك والواردات في قرطبة، وهو منصب استخدمه ليحدث تحولا في أوضاع الخزانة. إجادة حسداي للغات وذكاؤه ومكانته لدى المجتمع الدولي اليهودي، كل هذا جعل منه دبلوماسيا مثاليا. سافر حسداي إلى بلاط الإمبراطور الروماني المقدس، أوتو الأول، في فرانكفورت، وإلى بلاط الإمبراطور البيزنطي في القسطنطينية، وعندما وصل السفراء إلى قرطبة، كان حسداي هو من استقبلهم. قال يوحنا الجورزيني، وهو راهب كان عضوا في وفد أرسل من فرانكفورت: «لم أر مطلقا رجلا بهذا القدر من الذكاء البارع.»
9
ناپیژندل شوی مخ