تأليف
أمين الريحاني
الفصل الأول
أمر طمحت إليه جهان فجال في أحلامها، وشغل أعماق جنانها المتقد، أمر تفرد جليا ساطعا بين أمانيها، فاتجهت إليه بكل كيانها.
كان قبلتها في صلاتها، كان كعبة آمالها الروحية والعقلية والاجتماعية، كان رمزا فيه وعد لناشده ووعيد، بل شارة تأميل وتهديد، تراءى لها في الرؤيا، وصورته في الحلم، وكانت تهدس به في ساعاتها العصيبة.
إنما هي الحرية، كتبت رسالتها بأحرف من ذهب على سماء سحماء، وبخطوط من دم على ظلمات زائلة، نقشت على لوح النفس بعد ما أمحت عنه التقاليد القديمة.
الحرية، وسواء كانت متشحة ثوب الحداد، أو ثوب الجهاد، أو ثوب النصر - سوداء الصبغة كانت أو حمراء أو زهراء - فكانت جهان تقتبلها، وترحب بها، وتجلها في كل حال من الأحوال.
ولكن آلهة تراءت لها في الأحلام مرتدية رداء شديد الاخضرار، شاهرة سيفا أحدب، وعلى جبينها هلال من الياقوت - آلهة إسلامية متوشحة ألوان العلم النبوي الداعي إلى الجهاد - كأنها تدعو جهان إلى حرب مقدسة لا على النصارى الكافرين، بل على كفر الرجل وطغيانه؛ لتهب الحرية أخواتها في الرق والعبودية؛ لتهب الأم التركية، بل الأمة العثمانية، بل المسلمين قاطبة تلك الهبة السماوية.
وجهان ابنة رضا باشا وامرأة الأمير سيف الدين إنما هي مسلمة في لبها الإسلام الحقيقي بالرغم من أنها هجرت منذ ثلاثة أشهر قصر زوجها المشيد على ضفاف البوسفور؛ لأنه حنث بيمينه أنه لا يتخذ لنفسه امرأة أخرى، ولا يقاسم قلبه غيرها، ولهذا عادت جهان إلى بيت أبيها بما في قلبها من الغم، وبما في روحها من الأحلام، وآلت على نفسها إصلاح الحريم.
ومنذ ذاك الحين شرعت تسعى سنة كاملة سعيا متواصلا أثمر قليلا، وأكسبها شهرة جنت أكثر من مرة عليها، وقد دعت جهان نفسها «ابنة الثورة»، وكانت إذا حدثها أبوها في أمر تسيبها شكري بك تبسم غير مبالية، وتقول: «إني متزوجة من الحرية.»
ناپیژندل شوی مخ