خریده القصر و جریده العصر
خريدة القصر و جريدة العصر
كيف تجورون على جيرةٍ ... وقد حَلَلْتُمْ منهم في السَّواد
ضَنَّتْ سُلَسْماكم بتسليمها ... ولم تساعدنا بوصلٍ سعاد
واهًا لوَصْلٍ بالجفا ما وفى ... منكم، وقُرْبٍ بالقِلى ما أَفاد
إِذا دنوتم ونأَى وصْلُكم ... سِيّان عندي قُرْبُكم والبِعاد
أَبلغتُمُ الأَعداء فيّ المُنى ... ونال منّي حاسدي ما أَراد
يا طيبَ أَيامٍ مَضتْ بالحِمى ... وعَيْشنا بالخَيْفِ لوْ كان عادْ
مرّ كأِيّام الصِّبا وانقضى ... وكان أشهى من بلوغ المراد
وشادنٍ دام ثنائي على ... قَوامه لما تثنَّى وماد
ريمٌ رماني بشَبا لحظه ... وصدّ عني حين للقلب صاد
جرَّد سيفًا جفنُه جفنُه ... يَزينه من عارِضَيْه نِجاد
قد كتب الحُسْنُ على خدِّه ... خطًا له أَسودُ قلبي مِداد
ظبيٌ تصيد الأُسْدَ أَلحاظُه ... يا لأُسودٍ بظِباء تُصاد
يقتل من أَضحى له عاشِقًا ... ولا يعاف القتل من لا يُقاد
يا صنمًا كلُّ محبٍّ له ... مِنْ حسنه يعبده أَو يكاد
راقت معانيه وأَوصافُه ... فأَشبهت رِقَّةَ ماء الثِّماد
دقَّتْ عن الأَفهام حتى حكت ... عبارةَ المولى الأَجلِّ العِماد
الواضح المشكل من علمِه ... للخلق، والناهج سُبلَ الرشاد
هَداه بل أَهداه ربُّ الورى ... فهو لمن ضلَّ عن الحق هاد
جِداله يُنبيك عن خاطرٍ ... يَفُلُّ غَرْبَ العَضْب يوم الجِلاد
يا مَنْ غدا دينهمُ واحدًا ... واختلف المَذهب والاعتقاد
دعوا الدعاوى وإِليه ادّعوا ... فإِنما تقليدُه الإِجتهاد
واعتمدوا تسليم ما قاله ... لِتربحوا منه عناءَ العِناد
كَبْتُ الأَعادي ما حوت كُتبه ... مِن حِكَمٍ تُحْييه حتى المَعادْ
ما روضةٌ غنّاءُ، أَشجارُها ... أَضحى قريبًا عهدُها بالعِهاد
أَغاثها الغيثُ وأَحيا الحَيا ... ما كان منها قد تعفّى وباد
إِذا بكى الغيثُ بها يلبس البنفسَجُ الغضُّ ثِياب الحِداد
والقطرُ لمّا عمَّ أَقطارَها ... عمّم بالنبت رؤوسَ النِّجاد
وكلُّ غُصن قد نشا وانتشى ... مُنذ تربّى في مُهود المِهاد
تختالُ تيهًا بالصِّبا لا الصَّباد ... والزَّهر يُزْهى إِذا له الجَوْد جاد
أَبهجَ مما أَوْدَعَتْ طِرْسَهُ ... يَدٌ لَها منه علينا أَياد
وخاطر يُشهِدنا أَنه ... أَفصح من ينطِق علمًا بضاد
يقدَحُ فِكرًا ما خَبتْ ناره ... قطُّ ولا تَصْلِد منه الزِّناد
أَقلامه أَضحت بها قسمةُ الأَرزاق والآجال بين العباد
طاب نِجادًا وزَكا مَحْتِدًا ... وشاد بنيان المعالي وساد
ومنها:
أَيا عِماد الدين يا مَنْ به ... قد راج سوقُ الفضل بعد الكسادْ
أَنتَ جوادٌ وِردُ إِنعامه ... واردُه لم يخش يومًا جُواد
ومنها:
وكيف أُهدي نحوه مِدْحةً ... ولفظها من فضله مُستفاد
أَتته في وزنٍ سريعٍ إِلى ... خدمته تسعى بغير اتّئاد
رَوِيُّها روّاه إِنعامه ... فما لها، لولاه، قوتٌ وزاد
ومنها:
فاسلم لعبدٍ أَنت أَنشأَته ... فهْو بما أَوْلتَه ذو اعتداد
وعِش، سَمِيّ المصطفى، راقيًا ... ذُرى المعالي، والعِدى في الوِهاد
المهذب أبو طالب
محمد بن حسان بن أحمد بن الحسن بن الخضر
2 / 292