حَمَّلُوهَا عَلَيْهِمْ دُونَ أَهْلِ الْمَدَائِنِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْل الْعِلْمِ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ عِلْمًا بِذَلِكَ: إِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لأَنَّ أَهْلَ الرَّسَاتِيقِ أَصْحَابُ الأَرَضِينَ وَالزَّرْعِ، وَأَنَّ أَهْلَ الْمَدَائِنِ لَيْسُوا كَذَلِكَ فَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحُجَّةِ يَقُولُونَ: حَقُّنَا فِي أَيْدِينَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي دَوَاوِينِكُمْ وَقَدْ جَهِلْتُمْ وَجَهِلْنَا كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ الأَمْرِ؛ فَكَيْفَ تَسْتَجِيزُونَ أَنْ تُحْدِثُوا عَلَيْنَا مَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ ثَبْتٌ وَتَنْقُضُونَ هَذَا الأَمْرَ الثَّابِتَ فِي أَيْدِيكُمْ الَّذِي لَمْ نَزَلْ عَلَيْهِ.
مَا وضع على أهل فَارس:
وَأَمَّا مَا كَانَ فِي أَيْدِي أَهْلِ فَارِسٍ مِنَ الْجَزِيرَةِ فَإِنَّهُ لم يبلغنِي فِيهِ شَيْءٍ أَحْفَظُهُ؛ إِلا أَنَّ فَارِسَ لَمَّا هُزِمَتْ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ وَبَلَغَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ هُنَالِكَ مِنْ جُنُودِهِمْ تَحَمَّلُوا بِجَمَاعَتِهِمْ وَعَطَّلُوا مَا كَانُوا فِيهِ إِلا أَهْلَ سِنْجَارَ؛ فَإِنَّهُمْ وَضَعُوا بِهَا مَسْلَحَةً يَذُبُّونَ عَنْ سَهْلِهَا وَسَهْلِ مَارْدِينَ وَدَارَا؛ فَأَقَامُوا فِي مَدِينَتِهِمْ؛ فَلَمَّا هَلَكَتْ فَارِسٌ وَأَتَاهُمْ مَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلامِ أَجَابُوا وَأَقَامُوا فِي مَدِينَتِهِمْ وَوَضَعَ عِيَاضُ بْنُ غَنَمٍ الْفِهْرِيُّ على الجماجم الْجِزْيَة١ عَلَى كُلِّ جُمْجُمَةٍ دِينَارًا وَمُدَّيْنِ قَمْحًا وَقِسْطَيْنِ زَيْتًا وَقِسْطَيْنِ خَلا، وجعلهم جَمِيعًا طَبَقَةً وَاحِدَةً؛ فَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ هَذَا عَلَى صُلْحٍ وَلا عَلَى أَمْرٍ أَثْبَتَهُ، وَلا بِرِوَايَةٍ عَنِ الْفُقَهَاءِ، وَلا بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ.
فَلَمَّا وَلِيَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بَعَثَ الضَّحَّاكَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْعَرِيِّ فَاسْتَقَلَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فَأَحْصَى الْجَمَاجِمَ، وَجَعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ عُمَّالا بِأَيْدِيهِمْ، وَحَسَبَ مَا يَكْسِبُ الْعَامِلُ سَنَتَهُ كُلَّهَا ثُمَّ طَرَحَ مِنْ ذَلِكَ نَفَقَتَهُ فِي طَعَامِهِ وَأُدْمِهِ٢ وَكِسْوَتِهِ وَحِذَائِهِ وَطَرَحَ أَيَّامَ الأَعْيَادِ فِي السَّنَةِ كُلَّهَا؛ فَوَجَدَ الَّذِي يُحْصَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ فَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ جَمِيعًا وَجَعَلَهَا طَبَقَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ حَمَلَ الأَمْوَالَ عَلَى قَدْرِ قُرْبِهَا وَبُعْدِهَا فَجَعَلَ عَلَى كُلِّ مِائَةِ جَرِيبِ زَرْعٍ مِمَّا قَرُبَ دِينَارًا، وَعَلَى كُلِّ أَلْفِ أَصْلِ كَرْمٍ مِمَّا قَرُبَ دِينَارًا، وَعَلَى كُلِّ أَلْفَيْ أَصْلٍ مِمَّا بَعُدَ دِينَارًا، وَعَلَى الزَّيْتُونِ عَلَى كُلِّ مِائَةِ شَجَرَةٍ مِمَّا قَرُبَ دِينَارًا، وَعَلَى كُلِّ مِائَتَيْ شَجَرَةٍ مِمَّا بَعُدَ دِينَارًا، وَكَانَ غَايَةُ الْبُعْدِ عِنْدَهُ مَسِيرَةَ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا دُونَ الْيَوْمِ فَهُوَ فِي الْقُرْبِ. وَحُمِلَتِ الشَّامُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَحُمِلَتِ الْموصل على مثل ذَلِك.
_________
١ أَي جِزْيَة الرُّءُوس.
٢ مَا يَأْكُل مَعَ الْخبز.
1 / 52