فهز الشاب منكبيه استهانة وقال: إن العلماء المعاصرين يعلمون بما في الذرة من عناصر، وبما وراء عالمنا الشمسي من ملايين العوالم، فأين الله؟ وما أساطير الديانات؟! وما جدوى التفكير في مسائل لا يمكن أن تحل، وبين أيدينا مسائل لا حصر لها يمكن أن تحل وينبغي أن نجد لها حلا؟!
ثم ابتسم الشاب ابتسامة سريعة وقال وقد غير لهجته المتدفقة: لا يجوز أن نشرك ثالثا من جماعتنا في هذا الحديث! - طبعا .. طبعا يا أستاذ. ولكن لا تنس أن أول العلم كفر دائما!
وقطع عليهما الحديث ارتفاع صوت سليمان عتة بالغضب، والظاهر أن ملاعبه سيد عارف أغاظه بهذره فتهيج القرد وصاح به: إن الله الذي سلبك قواك عادل حكيم!
وذكر أحمد عاكف ما قيل عن سيد عارف منذ ساعة فنظر إلى أحمد راشد مبتسما، فرد الشاب على ابتسامته بابتسامة ذات معنى وقال: صاحبنا يجرب الأقراص ويعقد بها رجاء صادقا!
ولفت انتباههما جماعة من لابسي الجلابيب أحاطوا بمائدة عند مدخل القهوة ومضى كل منهم يعد رزمة ضخمة من الأوراق المالية، وكان منظرا يستدعي الدهشة لما فيه من أوجه التناقض، فقال أحمد عاكف: لعلهم من أغنياء الحرب!
فقال الآخر موافقا: سيهجرون طبقة ويلحقون بطبقة أخرى! - إن الحرب ترفع كثيرين من السفلة! - السفلة! .. هذا صحيح ولكن لا يوجد حد فاصل بين السفلة والطبقة العالية، فأرستقراطيو اليوم كانوا سفلة الأمس، ألا تعلم أن رعاع الغزاة انتهبوا في الماضي أراضينا بحكم الغزو؟ .. وها هم أولاء يكونون طبقة عالية ممتعة بالجاه والسؤدد والامتيازات التي لا حصر لها.
ولأول مرة يميل إلى موافقته دون نزوع إلى المعارضة، فقال: هذا رأيي!
فاستدرك الشاب قائلا: ويري كارل ماركس أن العمال سيظفرون بالنصر النهائي، فيصير العالم طبقة واحدة ممتعة بالضرورات الحيوية والكمالات الإنسانية، وهذه هي الاشتراكية!
ولزما الصمت كأنما أجهدهما التعب، فجعل عاكف يفكر متألما: يا لها من آراء! .. فرويد وماركس، الذرات وملايين العوالم، الاشتراكية! واختلس منه نظرات ملتهبة بالحقد والكراهية والحنق، فما كان يظن قط أنه سيعثر في خان الخليلي على من يتحدى ثقافته، ويجبره على التسليم بأن فوق كل ذي علم عليما! أفلا يظفر بالراحة في هذه الدنيا؟!
وعند ذاك خلع الشاب نظارته ليمسح عينيه بمنديله فاكتشف أن عينه اليسرى زجاجية! ودهش أول وهلة، ثم غمره شعور بالارتياح خبيث؛ لأنه وجد في عوره وجها للاستعلاء عليه أيا كان هذا الوجه!
ناپیژندل شوی مخ