لم يصدقوا آذانهم، عقدت الدهشة ألسنتهم، ولكن أحدا لم يجرؤ على الرد عليه بما يستحق، وقال الكهل بهدوء مناقض تماما لمشاعره: ولكننا نريد أن نذهب.
فرماهم بنظرة وعيد كالحجر، وقال: ليتقدم المفرط في عمره!
لم يوجد بينهم من يفرط في عمره، تبادلوا نظرات ذاهلة حائرة، وتساءل الكهل: ولكن، ما وجه اعتراضك على ذهابنا؟
هز رأسه بقسوة ساخرة، وقال: لا تحاولوا خداعي، لقد سمعتم كل شيء.
قال الكهل بعجب: أؤكد لك أننا لم نسمع شيئا.
فصاح بغضب: لا تحاولوا خداعي، لقد عرفتم الحكاية! - لم نسمع شيئا، ولم نعرف شيئا! - كذابون مخادعون! - يجب أن تصدقنا. - أصدق سكيرين معربدين؟! - إنك تسب أناسا أبرياء وتهدر كرامتهم! - ليتقدم منكم المفرط في عمره.
وضح لهم أن الموقف لا يعالج إلا بالقوة، وأنه لا قوة لديهم، واضطروا تحت تأثير نظراته المخيفة إلى الجلوس، رجعوا إلى مقاعدهم بغضب مكتوم ومهانة لم يجربوها من قبل، وسأله الكهل: وحتى متى نبقى هنا؟ - حتى يجيء الوقت المناسب. - ومتى يجيء الوقت المناسب؟ - اقطع لسانك وانتظر.
مضى الوقت في توتر وألم، اجتاحهم الكدر والنكد فطارت الخمر من رءوسهم. وحتى القط الأسود استشعر في الجو رائحة معادية، فوثب إلى حافة النافذة الوحيدة، ثم رقد عاقدا ذراعيه تحت رأسه، وأغمض عينيه طارحا ذيله بين القضبان. وألحت عليهم أسئلة واحدة: من الرجل؟ أهو سكران؟ أهو مجنون؟ وما الحكاية التي يتهمهم بسماعها؟! وطيلة الوقت ظل الخمار الرومي ملازما لصمته الميت، على حين قام الجرسون بخدمته وكأنما هو لا يرى ولا يسمع.
وجعل الرجل الغريب ينظر إليهم بسخرية وشماتة، ثم قال متوعدا: إن يقدم أحدكم على غدر فسأعاقبكم جميعا بلا رحمة.
تشجعوا بمعاودته الخطاب، على الكلام، فقال الكهل بصدق: أقسم لك، نقسم لك جميعا ...
ناپیژندل شوی مخ