وفي غزوة أحد كانت قوة المسلمين ألف رجل تخلف منها ثلاثمائة رجل، وكانت قوة قريش ثلاثة آلاف رجل، فنظر الرسول في كثرة قوة العدو فأخلى المدينة وانسحب إلى شمالها جاعلا جبل أحد خلفه للاستفادة من مناعته ومن وضعه المشرف على ما حوله، ولما لم يكن الجانب الأيسر مسنودا بقوة! وضع فيه مفرزة رماة بقوة خمسين رجلا لحمايته، أما جيش قريش فرتب صفوفه للهجوم بعد أن وضع قوة الخيالة على مجنبته، وكانت تبلغ مائتي رجل، وقدم الرماة في الخط الأول.
وكان خالد على رأس خيالة قريش في الجانب الأول يراقب رماة المسلمين ويشاغلهم ويتحين الفرص للهجوم عليهم؛ لكي يقطع خط الرجعة على المسلمين، وفعلا استطاع ذلك لما سنحت الفرصة فقلب فوز المسلمين إلى انكسار مروع؛ فهذا كله يثبت لنا أن للعرب أسلوبا في القتال، وأن مبدأ المباغتة ومبدأ الأمنية كانا من أخطر المبادئ التي ساروا عليها.
وفي يوم ذي قار نرى بوضوح النظام الذي سار عليه العرب في قتالهم الفرس وهو يؤيد ما ذهبنا إليه.
ولا يخفى أن معركة ذي قار وقعت بين غزوة بدر وغزوة أحد فانتقم فيها العرب من الفرس ونالوا ظفرا حاسما شجعهم على الاستهانة بقوة فارس، وساعدهم على غزو بلاد السوار غزوا متواصلا حتى آل الأمر إلى فتحهم تخوم العراق.
ويروي لنا صاحب الأغاني أخبار ذلك اليوم بالتفصيل، والواضح من ذلك أن العرب عبئوا قوتهم صفوفا وقسموها إلى كتائب، وجعلوا الظعن في الوراء ليحموه بقلبهم، وكان بمنزلة القاعدة التي يتمون منها الجيوش في يومنا هذا، وتوضع الخطط الحربية لحمايتها.
وأقاموا قوة في الميمنة من بني عجل، وقوة في الميسرة من بني شيبان.
أما القلب فألفته قبائل بني بكر بن وائل، ومن الأساليب التي ساروا عليها أنهم لم يقدموا الصفوف للقتال دفعة واحدة لكيلا تصيبها سهام الفرس فتفتك بها، وكان الفرس، على ما نعلم، ماهرين في الرماية. والحقيقة أن تقديم الصفوف بأجمعها في وقت واحد يجعلها عرضة للسهام دفعة واحدة، بينما البدء بالحركة بكتيبة واحدة يجعل الصفوف الأخرى في مأمن من ضررها، وهذا من الأساليب التي كانت تراعى في هجوم الخيالة على المشاة؛ إذ تبدأ الحملة بخط منتشر ضعيف من الخيالة وتليها الخطوط المنظمة.
فالعرب على ما يظهر جليا دخلت ميدان القتال بنظام لم يكن أقل شأنا من نظام الفرس، وكان من أمره أن هزموهم شر هزيمة، وطاردوهم إلى أرض السوار بعد أن غنموا أحمالهم وأثقالهم.
ولعل الطريق التي سار عليها الرسول
صلى الله عليه وسلم
ناپیژندل شوی مخ