35

جان منارډ کینز: لنډه مقدمه

جون مينارد كينز: مقدمة قصيرة جدا

ژانرونه

لم يتسق أسلوب الاهتمام بإنجلترا، لا الإمبراطورية البريطانية، مع تراث إنجلترا الإمبريالي؛ «ففي ظل موارد بريطانيا المحدودة والمقيدة على نحو كبير، لا يمكن الحفاظ على الثقة الضرورية في الجنيه الاسترليني إلا إذا كان في وضع دولي قوي.» وهكذا، فإن دعم القوة والأموال الأمريكية - بشروط - للنظام الاقتصادي لبريطانيا القائم على موارد «محدودة ومقيدة» هو الغاية النهائية من تلك «العلاقة الخاصة» التي فرضتها الحرب.

فشل خطة كينز لإنشاء اتحاد مقاصة دولي سلط الضوء على مشكلة تمويل عجز الحساب الجاري المتوقع في بريطانيا بعد الحرب؛ إذ قدر كينز أن يصل العجز إلى ما بين 6 و7 مليارات دولار خلال مدة «انتقالية» قدرها ثلاث سنوات. وفي 17 أغسطس 1945؛ أي بعد ثلاثة أيام من استسلام اليابان، ألغت الولايات المتحدة اتفاقية الإعارة والتأجير بصورة مفاجئة. وأصبح على بريطانيا عندها أن تدفع ثمن كل ما حصلت عليه من إمدادات، بما في ذلك ما طلبته بالفعل. لقد صمم اتحاد المقاصة المقترح على نحو صريح ليجعل المساعدة الأمريكية في ميزان المدفوعات بعد الحرب غير ضرورية؛ إذ كان بنك اتحاد المقاصة سيتيح «عمليات سحب على المكشوف» على نحو تلقائي لسد «فجوة الدولار» في بريطانيا بعد الحرب. أما حصة بريطانيا في صندوق النقد الدولي فكانت أصغر بكثير بحيث لا يمكن أن تفي بهذا الغرض، وفي كل الأحوال، لا يمكن للدول أن تمارس «حقوقها في سحب الأموال» إلا إذا كانت ذات عملات قابلة للتحويل. واستبعد تخفيض قيمة الجنيه الاسترليني؛ لأن فائض واردات بريطانيا كان كبيرا جدا، ولأن «التنصل» من ديون بريطانيا بالجنيه الاسترليني (التي يصل إجمالي حجمها إلى 14 مليار دولار) كان من شأنه أن يدمر منطقة الاسترليني. وفضل الانعزاليون اليمينيون واليساريون وضع قيود صارمة على التجارة، لكن كينز سأل بيفربروك في 27 أبريل 1945 قائلا:

هل تفضل العمل بنظام تجارة يعتمد على المقايضة، وهو الذي يعني من الناحية العملية شبه احتكار الدولة للواردات والصادرات على غرار روسيا؟ هل توافق على الاستمرار الأبدي في فرض قيود صارمة و(ربما) نظام حصص أكثر قسوة؟ هل تتطلع إلى تحولنا في الوقت الراهن إلى قوة من الدرجة الثانية ...؟

لذا كانت المساعدة الأمريكية هي كل ما تبقى من خيارات.

تمنى كينز أن تكون مساعدة الولايات المتحدة في صورة منحة أو على الأقل قرض من دون فوائد. وكتب هيو دالتون - وزير الخزانة العمالي - إن «عيني كينز كانتا حالمتين في أثناء حديثه مع الوزراء قبل أن يغادر إلى واشنطن. لقد كان واثقا تمام الثقة ... أنه سيحصل على ستة مليارات دولار على هيئة منحة لا ترد ... ولم يتحدث ... إلينا كثيرا عن «الالتزامات».» وقال المصرفي روبرت براند: «عندما أستمع إلى اللورد كينز وهو يتحدث، أشعر أني أسمع رنين العملات المعدنية الموجودة في جيبي.» وبعد وقت قصير من وصول كينز إلى واشنطن في 5 سبتمبر، بصفته أحد رؤساء الوفد البريطاني، أدرك أن المزاج العام قد اختلف. فخلال مفاوضات شائكة جدا استمرت ثلاثة أشهر تحولت المنحة التي لا ترد، التي قيمتها ستة مليارات دولار، إلى قرض قيمته 3,75 مليارات دولار بفائدة 2٪، مع الالتزام بالسماح بجعل الجنيه الاسترليني قابلا للتحويل بعد عام من التصديق على الاتفاقية. وكلف هذا بريطانيا الحماية الانتقالية في ظل اتفاقية بريتون وودز. وبعد أن كان كينز مبالغا في تفاؤله، قاد الحكومة العمالية المذهولة والغاضبة خطوة بخطوة ناحية قبول شروط أقل ملاءمة. تدهورت صحته وساء طبعه. وفي النهاية استبدل به السير إدوارد بريدجز الذي وافق على التسوية النهائية.

وضع دفاع كينز البليغ عن مشروعه في مجلس اللوردات في 18 ديسمبر؛ أي بعد اثني عشر يوما من توقيع اتفاق القرض، المفاوضات في سياق الأحداث التي تكشفت منذ الحرب العالمية الأولى؛ إذ ظهرت قضية الضرورة أولا؛ فقد كان البديل للقرض - كما قال - «هو إنشاء كتلة اقتصادية منفصلة، تستبعد منها كندا، وتتكون من الدول التي ندين لها بالفعل بأكثر مما يمكننا سداده، على أساس موافقتها على إقراضنا أموالا لا تمتلكها، وعلى أن تشتري منا فقط أو من الدول الأخرى الأعضاء في الكتلة سلعا لا يمكننا إنتاجها.» أما القضية الثانية فكانت الرغبة في إعادة إحياء مذهب ليبرالي قائم على الشراكة؛ حيث قال:

إن التكتلات الاقتصادية المنفصلة وكل ما يستتبعها من خلافات وخسارة للأصدقاء هي تدابير ناجعة، ربما تضطر الدول إلى السعي إليها في عالم يتسم بالعداء ... لكن من الجنون بالقطع تفضيل هذا الحل. فهذا الإصرار على تدويل التجارة وعلى تجنب إنشاء تكتلات اقتصادية تحدد وتقيد التعاملات التجارية خارجها، هو قبل كل شيء شرط أساسي لتحقيق أقصى أمنيات العالم، وهو التفاهم البريطاني الأمريكي ... لقد تعلم بعضنا بالتجربة في مهام الحرب، ثم في مهام السلام في الفترة الأخيرة، أن دولتينا يمكنهما التعاون معا. لكن من السهل علينا جدا أن نفترق. إنني أناشد من ينظرون بارتياب إلى هذه الخطط أن ينعموا النظر ويتحلوا بالمسئولية في اختيار طريقهم.

كان السياق المألوف لأفكار كينز الاقتصادية هو الكساد الكبير في الثلاثينيات الذي أدى إلى انهيار الاقتصاد العالمي. لكن السياق الأبرز كان وضع الدائن غير المتوازن الذي تلعبه الولايات المتحدة؛ فطوال السنوات العشر التي تلت الحرب العالمية الأولى انتعشت الولايات المتحدة، بينما أصاب بريطانيا الكساد. ورأى كينز أن مشكلة البطالة في بريطانيا هي مشكلة المبالغة في تحديد قيمة الجنيه الاسترليني أمام الدولار. ومن هذا المنظور كان كتابه «النظرية العامة» بمنزلة إضافة - وليس تتويجا - لخط أفكاره؛ أي نظرية في الكساد العالمي العميق؛ حيث يمكن أن يتحقق التوظيف الكامل إذا انعدم التلاعب بالنقود.

في أعقاب التخلي عن معيار الذهب عام 1931، انقسم العالم إلى تكتلات اقتصادية بناء على العملات «الرئيسية». وقد دخلت بريطانيا الحرب مع ألمانيا عام 1939 بصفتها مديرة لنظام المدفوعات الإمبريالي المعروف باسم «منطقة الاسترليني».

لقد عزز نشوب الحرب العالمية الثانية أمل كينز في إنشاء نظام مدفوعات تسيطر عليه بريطانيا باعتباره الإطار النقدي للاقتصاد البريطاني. وضاع قدر كبير من المثالية والمسئولية في التوصل إلى نظام بريتون وودز. إلا أنه أذن بنهاية الاستقلال النقدي البريطاني؛ فنظام الجنيه الاسترليني لا يمكنه البقاء ما لم يدعمه الدولار. لقد شهدت فترة حياة كينز التحول من السيطرة إلى التبعية .

ناپیژندل شوی مخ