ثم يجب أن ندرس تاريخ الحضارة في مصر؛ لأن هنا في وطننا انتقل الإنسان البدائي من حياة الغابة وجمع الطعام البري إلى حياة الزراعة واستنتاج الطعام، وكانت الزراعة الطور الأول للحضارة القديمة، فظهر على أثرها الحكومة والدين والكتابة والثقافة الصناعية البدائية، ويمكن القارئ أن يسترشد بكتابي عن هذا الموضوع «مصر أصل الحضارة».
وكتب التاريخ في اللغة العربية، ونعني الكتب القديمة، هي مواد خاصة لدراسة التاريخ ولتأليف الجديد منها، فلا يمكن القارئ العادي أن يعتمد عليها، وليس في المخلفات العصرية العربية موجز في التاريخ العام الذي ألفه ه.ج. ولز، وليس فيه مطول في تاريخ العالم، ونحن في هذه الناحية في نقص خطير يجعل الصورة البشرية مشوهة في أذهاننا، ويجعل كل مقتصر على اللغة العربية رجلا ناقص التربية يعيش على كوكب يجهل تاريخه وتطور سكانه.
وقد سبق في كلامنا عن الأدب العربي القديم أن ذكرنا كثيرا من كتب التاريخ، ولكنا - كما قلنا - نعدها مواد خامة للدراسة، ثم هي محدودة لأنها تحصر أخبارها في العرب ومصر، وتروي الحوادث رواية زمنية بلا تمييز أو وزن للخطير منها والتافه، ونحن نقصد من دراسة التاريخ إلى أن نصير بشريين، وليس عربا أو مصريين فقط، وحرمان لغتنا من كتب التاريخ المسهبة هو تحديد للتفكير العالمي بين شبابنا، والكتب المدرسية الشائعة صغيرة القيمة، وهي أشبه بالهيكل العظمي للتاريخ منها بالتاريخ.
والكتب القليلة التي يمكن أن تقرأ في التاريخ القديم هي كتاب برستد «العصور القديمة» ترجمة داود قربان، وكتاب عبد القادر حمزة باشا «التاريخ المصري القديم»، وقد ترجم قسم كبير من كتاب ه. ج. ولز.
وليس في لغتنا كتب عن تاريخ الإغريق أو الرومان أو الهنود أو الصنيين أو اليابانيين أو الأمريكيين، ولا تزال القرون المظلمة مخيمة في ظلامها الحالك على القارئ العربي، والنهضة البشرية الكبرى في القرن الخامس عشرة ليس فيها مؤلف في لغتنا، مع أنها جديرة بأن تحدث في قارئها العربي ثورة فكرية.
ولا بد لهذا السبب أن نقول إنه يجب أن نتعلم لغة أجنبية كي ندرس التاريخ البشري، وقد أنفق على المجمع اللغوي إلى الآن نحو مئتين وخمسين ألف جنيه كي يسك لنا كلمات جديدة، ولو أننا كنا أنفقنا هذا المبلغ على ترجمة الكتب الأوروبية الحسنة لأغنينا لغتنا بنحو مئة كتاب في التاريخ وغير التاريخ، ولما كانت تربيتنا لهذا السبب ناقصة.
ودراسة التاريخ تحتاج إلى هذا النظام التالي الذي نذكره.
ونحن نعرف أن لا فائدة منه للقارئ الذي يجهل اللغات الأجنبية العصرية. (1)
يجب أن ندرس تاريخ هذا الكوكب منذ تكون إلى أن ظهر عليه الإنسان، أي ما نسميه التطور. (2)
ثم ندرس حياة الإنسان البدائي إلى أن اهتدى إلى حضارة الزراعة في مصر. (3)
ناپیژندل شوی مخ