وأنا ذاكر لك أيها القارئ هنا مشكلة قد شغلت رأسي منذ عشرات السنين، ثم زاد اشتغالي بها في السنوات الثلاث الأخيرة، وأنا واثق أنك لم تسمع بها إلا مني، إذا كنت قد تعودت قراءة مؤلفاتي أو لم تسمع بها بتاتا، وهذه المشكلة هي:
هل النبات والحيوان والإنسان مقيدون بالوراثة لا يخرجون عن الممكنات التي تولد معهم في جهازهم التناسلي، أم هم أحرار يتميزون بقوة ما يتعلمون، ويتأثرون بالوسط الطبيعي والاجتماعي واللغوي والحرفي؟
هو خلاف فلسفي لم تسمع عنه؛ لأن الثقافة العامة في مصر قروية قد حبست نفسها في سياج من التقاليد؛ ولذلك لا تنفسح إلى الآفاق العصرية ولا تشتبك في المشكلات الإنسانية.
فهناك رأي يقول: الحي لا يتغير بالوسط إذ هو مقيد بالوراثة.
وأذكر عندما تتأمل هذه المشكلة أو تقرأ تفاصيلها أثر كل منها في معاملة البيض للسود، وفي معاني الارتقاء البشري، وفي معاني التربية وأساليبها، وفي مستقبل الإنسان، ومرامي كل ذلك في السياسة والاجتماع واختراع السلالات الجديدة من الحيوان والنبات.
مشكلة عصرية للرجل العصري، لم نسمع بها لأننا غير عصريين، ولأن المكتبة العربية لم تهيئنا لدرسها وفهمها. •••
نحن في قروية أدبية وثقافية عجيبة حتى بتنا كأننا منفصلون عن العالم.
وجائزة نوبل تهدى إلى العشرات من أبناء الأمم في آسيا وأوروبا ولكنها لا تهدى إلى مصري أو عربي واحد.
إنها تهدى عن الأدب والكيمياء والطبيعيات والميكانيكات والجغرافيا والتاريخ وحركة السلم، ولكنها لم تصب عربيا في هذه السبعين أو الثمانين من ملايين البشر الذين يعيشون في مصر وغير مصر؛ لأن الثقافة العامة والأدب السائد فيها، كلاهما يعيش صغيرا، كأنه حديث القرية في غير هدف بشري أو نزعة عالمية، كما أنه يستلهم الأدب الشرقي القديم كي يعالج به الوسط العصري الجديد؛ وهو لذلك متناقض لا يستطيع التفوق، وهنا بالطبع لا أنسى الاستعمار والاستبداد وإصرارهما على منعنا من الصناعة.
وأقول - مرورا - إن المصانع هي التي أوجدت العلوم، وهي التي تحفز على الاختراع والاكتشاف، وليس العكس.
ناپیژندل شوی مخ