وسيرى القارئ الإجابة على هذا السؤال مبسوطة في الفصول التالية، ولكن نقول هنا إن الشاب المصري يحتاج إلى أن يدرس: (1)
مشكلات العصر الحديث، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؛ لأنها خير الأبواب التي نفتحها لدراسات أخرى، والسبيل الأول لهذه الدراسات هو الجريدة. (2)
يجب أن يدرس علما معينا من العلوم العصرية كي يقف على كنه العوامل التي تغير الدنيا. (3)
وبعد ذلك عليه أن يدرس تاريخ هذا الكوكب بجميع أممه وأقطاره، منذ انفصلت الأرض عن الشمس إلى أن وقف هتلر يخطب ويحارب للدعوة النازية.
وهذا المجهود يبدو عظيما مرهقا، وهو كذلك في الوقت الحاضر، للروح الانفصالي العام بين المثقفين في التاريخ حين يكتبون تاريخ كل أمة على حدة، ولكن كتابا مثل كتاب ه. ج. ولز في التاريخ العام يدلنا على أنه من الممكن أن ندرس تاريخ كوكبنا بسهولة. (4)
ثم يجب أن يدرس الأديان، جميع الأديان التي تغيرت بها النفس البشرية منذ الأساطير الأولى، حين آمن بها الإنسان البدائي إلى المذاهب الفلسفية الجديدة التي تحاول أن تجعل المعرفة العلمية أساسا للإيمان بدلا من العقيدة الموروثة، والآداب والفلسفات القديمة تجري مجرى الأديان من حيث إنها تحاول الاهتداء إلى العيش الأمثل عن طريق التصور لا التجربة. (5)
وعلى الشاب المصري أن يدرس لغة أجنبية متمدنة كي يستعين بها على الاتصال العالمي؛ لأن لغتنا مع الأسف ناقصة، فالعلوم مثلا لا تزال خرساء في اللغة العربية، أو أكثرها كذلك، ولا يمكن شابا أن يحيط بعلم من العلوم العصرية إذا اقتصر على اللغة العربية، وخير اللغات الأجنبية هو الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية، ولكن هاتين الأخيرتين شاقتان، تحتاجان إلى مجهود كبير لدراستهما؛ وعلى ذلك فإن إحدى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، تكفي للاتصال بشئون العالم والاتجاه البشري الذي يوسع آفاقنا ويكبر شخصياتنا ويكسبنا السلوك البشري.
لا نقرأ بل ندرس
لما كنت في المغرب الأقصى وجدت هناك كلمة «طالب» يستعملها الجمهور لمن نسميه في مصر «عالم»، وعندي أن هذه الكلمة أصح في المعنى والدلالة من كلمتنا؛ لأنها تحمل معنى الدرس والتطور والرقي، وإن أحدنا مهما بلغ من الثقافة لا يزال طالبا يدرس ويتعلم ولا يعتقد في نفسه الكمال أو التمام، والإنجليز يؤثرون هذا المعنى حين يصفون الرجل المثقف بكلمة «سكولار» التي تعني الطلب والجهد.
وما أحرانا بأن نستعمل هذه الكلمة؛ فإن كل إنسان يجب أن يكون طالبا طول حياته، وأن يموت كما مات الجاحظ «وعلى صدره كتاب».
ناپیژندل شوی مخ