6
على أن الكون والفساد - كما قلنا - يجب أن يكونا دائما متصلين، ولا ينبغي ألبتة أن يتخلفا للأسباب التي ذكرناها. ومع ذلك فإن هذا مفهوم جدا؛ لأن الطبيعة كما نقرر تبحث دائما عن الأحسن في كل الأشياء، والوجود هو أحسن من العدم، وقد عددنا في موضع آخر المعاني المختلفة للفظ «وجود»، ولكنه لا يمكن أن الوجود يبقى في كل الأشياء ما دام أن بعضها هي أكثر ابتعادا جدا عن المبدأ. وأخذا بالطريق الوحيد الذي بقي نقول إن الله قد كمل الكل بأن جعل التولد متصلا وأبديا؛ فالوجود هو إذن ملتك ومتصل بقدر ما يمكن؛ لأن كونا أبديا وصيرورة مستمرة هما أقرب ما يمكن من الوجود ذاته. وحينئذ فعلة هذا الكون، كما طالما قد قيل، إنما هي النقلة الدائرية؛ لأنها هي وحدها التي تكون متصلة.
7
فانظر كيف أن جميع الأشياء التي تتغير بعضها إلى بعض - بحسب خواصها القابلة والفاعلة، كالأجسام البسيطة مثلا - لا تزيد أيضا على أن تقلد هذه النقلة الدائرية التي هذه الأشياء تكررها. وفي الحق أنه متى كان الهواء يجيء من الماء والنار تجيء من الهواء، ثم الماء يجيء في دوره من النار، فيمكن القول بأن الكون قد حصل دوريا ما دام أنه رجع على نفسه. وعلى هذا إذن فإن حركة هذه الظواهر بامتدادها على خط مستقيم تقلد الحركة الدائرية وتصير متصلة.
8
وهذا يسمح لنا في آن واحد باستجلاء مسألة يثار ثائرها أحيانا، وهي كيف يمكن - مع أن كل جسم متمكن في المحل الخاص به - ألا تكون الأجسام المركبة منفصلة ومنحلة أثناء المدة غير المتناهية للأزمان، والسبب في ذلك بسيط، وهو أنها تتغير وتتحول بعضها إلى بعض. فإذا كان كل واحد منها يبقى في محله الخاص ولم يعدله جاره، فتكون من زمان طويل قد انفصلت وانعزلت؛ فهذه الأجسام تتغير إذن على أثر حركة نقلة مزدوجة، ومن أجل أنها تتغير لا يوجد ولا واحد منها يمكن أن يبقى ألبتة في مكان ثابت ومعين.
9
فيمكن أن يرى إذن بناء على ما تقدم أنه يوجد على الحقيقة كون للأشياء وفساد وما هي العلة فيهما، كما أنه يرى ما هو المخلوق والقابل للفساد. ولكن ما دام أنه يوجد حركة فيلزم أن يوجد محرك كما بين ذلك في مؤلفات أخرى. وإذا كانت الحركة أزلية يلزم أن يكون موجودا شيء ما أزلي أيضا. ولما أن الحركة متصلة فهذا الشيء الذي هو أحد يجب أن يكون هو عينه أبدا غير متحرك ولا مخلوق ولا قابل للاستحالة. حتى مع افتراض أن الحركات الدائرية أمكن أن تكون كثيرة بالعدد فقد يمكن أن تكون عديدة، ولكنها جميعها ما دامت فإنها يجب بالضرورة أن تكون خاضعة لمبدأ واحد أحد. ومن جهة أخرى ما دام الزمان متصلا وجب أن تكون الحركة متصلة مثله؛ لأنه من المحال أن يوجد زمان بدون حركة؛ فإن الزمان هو إذن العدد لشيء ما متصل؛ أعني للنقلة الدائرية كما قلنا ذلك بديا.
10
ولكن هل الحركة متصلة لأن المتحرك الذي يقبلها هو متصل أيضا؟ أم هل هي كذلك بعلة اتصال المكان الذي تقع فيه - أريد أن أقول الأين - أو بعلة اتصال الكيف الذي يكيف الشيء؟ من البين أن الحركة هي متصلة بسبب أن المتحرك متصل؛ لأنه كيف يمكن أن يكون كيف شيء متصلا إلا إذا كان ذلك باتصال الشيء نفسه الذي فيه يظهر هذا الكيف؟ إذا كانت الحركة ليست متصلة إلا بسبب المكان الذي هي فيه، فهذا لا يمكن حينئذ إلا بالأين الذي له وحده خاصية الإحاطة بها لأن له عظما ما. ولا يوجد عظم متصل إلا عظم الدائرة؛ لأن هذا العظم هو دائما متصل بنفسه، وعلى ذلك فالعامل في اتصال الحركة إنما هو الجسم الذي له النقلة الدائرية، وإنما الحركة في نوبتها هي العاملة في أن الزمان يكون متصلا.
ناپیژندل شوی مخ