أكثر من ذلك، قد وجد بجانب المخطوطات الأدوات التي تصلح لكتابتها فناجين تحوي المادة الملونة وقصب الأقلام، وذلك ما يعدل عندنا المحابر والريش، والمصاقل التي تصقل البردي قبل الكتابة عليه، والمقالم التي توضع فيها الأقلام. وفي دار الآثار بليدن توجد ألواح الكتابة ومعها دوي فيها يميز المرء بغاية الوضوح الحبر الأسود أو الأحمر وقد جف في باطنها ودوي من البرونز ... إلخ. وكل هذه الآثار إنما هي سابقة على العائلة السادسة عشرة على رأي ليمانس (ص108 ف245). وفي دار الآثار ببولاق توجد ألواح الكتاب، ومعها كل لوازمها، وهي كما قرر مارييت سابقة لعهد إبراهيم (ص209)؛ وعلى ذلك يكون عمرها من 35 إلى 45 قرنا. وفي باريس في متحفنا المصري أيضا جميع الأدوات اللازمة للكتاب (القاعة المدنية - دولاب
p
درج
x )، وكذلك في قاعة الموتى (درج
L M ) ترى المخصوطات إما على ورق البردي أو على القماش، كل ذلك غير أوراق البردي الكبيرة المنشورة المحبوكة بالأطر المغطاة بالزجاج، والتي تبلغ أطوالها عدة أمتار. وفي ليدن مخطوطات تبلغ أطوالها إلى اثني عشر مترا. والواقع أنه كان يمكن صنع ورق البردي إلى طول غير متناه؛ لأن العرض وحده هو المحدود، ولا يكاد يزيد عن 30 سنتيمترا.
من التفاصيل التي تقدمت، والتي يمكننا أن نزيد في إيضاحها عند الحاجة أظن أننا نستطيع استنتاج النتائج الآتية التي هي كذلك - كما يظهر لي - حوادث ثابتة: إن فلاسفتنا للقرن الخامس والسادس قبل الميلاد كتبوا مؤلفاتهم، سواء في آسيا الصغرى أو في إغريقا الكبرى، وقد وصل إلينا بعض أجزاء هذه المؤلفات من خلال الصعوبات التي كانت تقترن بنقل الكتب قبل اكتشاف المطبعة واختراع الورق من القطن ومن الكتان أو استعمال الرق. وإن كتب إكسينوفان وميليسوس، بل ربما كتب طاليس وفيثاغورث أيضا كلها كتبت كما يكتب كل الناس وقتئذ على ورق البردي المصري. ولا بد أن تكون صورها على شكل ورق البردي المحفوظ في دور الآثار. ومن الممكن أن تكون أوراق البردي رتبت - منذ عهد قديم وبالتحقيق منذ عهد أرسطو - بحيث يكون شكلها كشكل كتبها الحاضرة؛ ومن ثم تيسر جمع الكتب في المكاتب. فأما المكاتب التي ينسبونها إلى بوليقراطس وبيزيسطراط فلم تكن بلا شك إلا تقليدا للمكاتب المصرية التي كان أشهرها دار الكتب التي أنشأها أوزيمندياس.
ما الذي بقي علينا تعرفه؟ ربما كان شيئا واحدا هو الذي تقتضيه نفوسنا الطلعة بحكم عاداتنا الجديدة في دقة التحري، وهو صنع البردي المخصص للخطابات ولمؤلفات الكتاب. ومن محاسن المصادفات أن بلاين الذي ليس أقل منا حبا للاطلاع قد نقل إلينا هذه المعلومات؛ إذ يقول لنا كيف كان يصنع ورق البردي في زمنه. ومن المفهوم ضمنا أن هذه الصناعة قد نالها بعض التحسين بمرور الزمن الطويل الذي يبتدئ من عهد أوزيمندياس إلى القرن الأول للميلاد، ولكن الأصول الرئيسية لهذه الصناعة لا بد أن تكون قديمة جدا، بل الظاهر أنه لم يكد يدخل عليها أقل تغيير.
26
وقد عني بلاين عناية كبرى بوصف هذا القصب المسمى برديا؛ نظرا إلى «أن المدنية وتذكار الأشياء مرتبطان باستعمال الورق، وبهما يتعلق تخليد ذكرى الرجال.» أما فرون فإنه لم يبلغ بتاريخ استعمال الورق إلى أبعد من عهد إسكندر الأكبر وتأسيس مدينة الإسكندرية. وقد يكون ذلك صحيحا فيما يتعلق باستعمال الورق في روما، ولكننا قد رأينا آنفا أنه لا يمكن أن يكون صحيحا بالنسبة إلى مصر ولا إلى إغريقا، وبلاين لا يشاطر رأي فرون مهما كان معتبرا، وهاك ما يقوله في ذلك النبات النفيس الذي يريد درسه:
ينبت البردي في المستنقعات أو مياه النيل الراكدة على عمق لا يزيد على ذراعين، جذره المعوج في ثخن الذراع تقريبا، وساقه مثلثة الأضلاع، ويندر أن يعلو أكثر من عشرة أذرع، يتناقص سمكه من تحت إلى فوق، فأما جذره فيستعمل وقودا، وقد تتخذ منه بعض الآنية، وأما ساقه الحطبي فتتخذ منه القوارب، ومن قشرته تنسج الشرع
ناپیژندل شوی مخ