وقد حاول هستيا أن يقاوم من جديد بعد أن انضم إليه بعض اليونان والأيوليين، ولكنه قبض عليه قرب أطرنة في ميزيا، وسيق إلى أرتافرن في سرديس فقتله صلبا وأرسل رأسه مصبرة بالملح إلى دارا في صوص.
ولما قضى الأسطول الفارسي فصل الشتاء في ملطية فتح جميع الجزر : شيوز ولسبوس وتندوس ... إلخ، في حين أن الجيش البري يستكمل فتح جميع المدائن الإغريقية.
ولقد كان لانتصار الفرس نتائج فظيعة، كما أنذر الفرس بذلك قبله بست سنين حين بدأت ثورة أرسطاغوراس؛ فإنهم كانوا يذبحون الرجال، ويخصون أجمل الفتيان، ويرسلون أجمل الفتيات إلى صوص، ويحرقون المدائن وما فيها من المعابد لينتقموا لحرق معبد سيبيل إلهة سرديس. وفي أثناء ذلك كان أرتافرن عامل أخيه دارا يدخل في إصلاح الشقاق بين اليونانيين، وكان يضرب عليهم الجزية التي بقي مقدارها ثابتا لم يتغير إلى زمن هيرودوت؛ أي بعد ستين سنة، ثم أخذ مردنيوس صهر دارا قيادة جيش جرار في البر والبحر وسار به في يونيا يقيم حكومة شعبية متجها إلى أوروبا ليعاقب آتينا وإريتريا على مساعدتهما في عصيان مستعمرات آسيا الصغرى. فأما إريتريا فقد أسلمها بعض الخونة فقهرها داتيس، وحرقت معابدها، وصفد رجالها في الأغلال يساق بهم أرقاء إلى صوص. وأما آتينا التي هددها الخطر بعد إريتريا بأيام فإنها اقتحمت الحرب وحدها هي والبلاتيون اقتحام الأبطال، وصدت الغازين في مرطون. وعلى ذكر مرطون أمسك عن القول لأني لا أقصد رواية عجائب الشجاعة والوطنية. وماذا أنا قائل في الوطنية؟! آتينا التي سيكون من أمرها أن تنير العالم بذكائها قد خلصته وقتئذ بعزيمتها التي لا تتزعزع، فإذا كان قدر للفرس أن ينتصروا ما كان عسى أن تصير إليه المدنية الغربية؟ وماذا يكون مصير أوروبا؟ الله وحده يعلم ذلك. ولكن آتينا تستحق اعترافا أبديا بجميلها.
وقد صيرت مرطون بلوغ الطرموفيل وأرتيميزيوم وسلامين وبلاته وميكال تجاه سوس من الممكنات، وكان أول شرط لقهر المتوحشين هو عدم الخوف منهم، ذلك هو السنة الحسنة التي استنتها يونيا والتي أخذت بها آتينا في هذا الظرف أمام خطر مزعج. لقد افتدتنا مدينة مينرفا (آتينا) من الاستعباد الآسيوي منذ اثنين وعشرين قرنا. نحن الذين نعرف اليوم آسيا بعلاقة أننا نمدنها نستطيع أن نرى أكثر من إغريق ملتياد وطمستوكل من أية هاوية انتشلونا، ونستطيع أن نحلف كما فعل ديمستين بأسماء الأبطال شهداء مرطون.
في كتاب هيرودوت ينبغي أن تقرأ هذه الحكاية الخطيرة على بساطة في سردها كتبها بعد الواقعة بأقل من ثلاثين سنة، وإنه ليخاطب في أولمبيا رجالا أخذوا بحظ من ذلك الانتصار ومن الحوادث التي كان يمكن أن يكون هو لها شاهد عيان، فلا أريد أن أكرر ما حدث به ذلك المؤرخ الشريف من سيرة المجد، ولكن لي بعض كلمات على يونيا لا تمشي بالحوادث إلى العهد الذي كان فيه ميليسوس آخر من علم من فلاسفتنا في سموس مذاهب مدرسة إيلي.
لما قهر اليونان اضطروا إلى أن يخدموا سادتهم ويتبعوهم في حروبهم ضد إغريقا؛ ففي سلامين كان من سموس اثنان من قواد الأسطول الفارسي؛ طيومستور بن أندروداماس وفيلاقس بن هستيا، وقد أبليا بلاء حسنا ضد سفن لقدمونيا حين كان الفينيقيون يحاربون سفن آتينا.
ولكنه مهما كان لإغريق آسيا الصغرى من العمل في تأليف جزء عظيم من أسطول دارا وإكزاركسيس، فإنهم لم يكونوا إلا ليتربصوا الفرصة المناسبة للعصيان. بعد هزيمة سلامين جاء أسطول الفرس يقضي الشتاء في كومة وفي سموس بعد أن وصلت الملك المغلوب ومعيته، فلما جاءت السنة التالية حضر الأسطول الإغريقي تحت قيادة ليوتيخيدس - ملك إسبرطة - يبحث عن أسطول الفرس في مياه آسيا الصغرى، أظهرت له جميع مدائن الشاطئ والجزر استعدادها لمظاهرته والعصيان على الفرس، وعلى الأخص جزيرة سموس؛ فإنها كانت تلتهب شوقا إلى خلع طيومستور الذي رماهم به المتوحشون طاغية عليهم؛ فأرسلت لهذا الغرض رسلا إلى ليوتيخيدس، سواء في إسبرطة أو ديلوس، ليؤكدوا له استعدادها. وربما كانت هذه المخابرات هي التي قوت رئيس الإغريق على الحضور لمهاجمة الفرس في موضعهم، ولكن المتوحشين منذ الدرس القاسي الذي تلقوه في سلامين لم يكونوا ليجرءوا على اقتحام حرب بحرية، وقد أذنوا للأسطول الفينيقي أن ينسحب، ولم يكد يبقى معهم إلا يونان وإغريق من الشاطئ؛ فغيروا مركزهم من سموس إلى ميكال حيث جروا سفنهم إلى البر وأحاطوها بسور يصح أن يكون خط دفاع، وإلى جانبها جيش مؤلف من ستين ألف مقاتل تحت قيادة تجران الذي عهد إليه إكزاركسيس في المحافظة على يونيا.
وكان الفرس يظنون أنهم من موضعهم هذا في حصن حصين، ولزيادة الحيطة قد نزعوا السلاح من أهل سموس الذين كانوا يتهمونهم بأن لهم ضلعا مع ليوتيخيدس، والذين كان منهم أن افتدوا بمالهم أسرى آتينا وردوهم إلى وطنهم، وفوق ذلك فقد كلف الفرس الملطيين بحماية الطرق المؤدية إلى قمم ميكال، وعلى ذلك لم يكن لديهم أدنى ريب في أن يصدوا من حصنهم كل هجمة عليهم من العدو، ولكنهم مع ذلك قد أهلكهم الآتينيون والقورنتيون بفضل شجاعتهم وبانتقاض أهل سموس وأهل ملطية، فدمر جيشهم تدميرا، وقتل قائده تجران، وحرق أسطولهم، ورجع الإغريق ظافرين من هذه الموقعة مثقلين بالغنائم.
كانت يونيا قد تخلصت من حكم الأجنبي بعد واقعة ميكال، ولكن هل تستطيع أن تقوم قائمتها بنفسها وتدفع عنها حمق المتوحشين متى تركت إلى قواها وحدها؟ كان من المشكوك فيه أن لها طاقة على المقاومة، فاجتمع القواد في سموس وتداولوا فيما إذا كان الواجب على اليونان أن يهجروا نهائيا سواحل آسيا الصغرى ويلتجئوا إلى قسم من إغريقا يعين لهم، فعارض الآتينيون جد المعارضة في هذا القرار مع أنه كان من الميسور تعويض اليونانيين على حساب الخونة الذين كانوا قد تخاذلوا عن الدفاع في القضية العامة عند الغارة الميدية. وأما البلوبونزيون فإنهم انضموا إلى هذا الرأي من غير مشقة، ووقف الأمر عند عقد معاهدة محالفة مع السموسيين والشيوزيين واللسبوسيين وجميع الذين شاطروا في الظفر. وقد كان الجيش الفارسي قد التجأ إلى سرديس حيث كان إكزاركسيس باقيا منذ رجوعه المخجل، ثم تركها توا إلى صوص ليستر عاره ويكظم غيظه. ولما أصبح الأسطول الإغريقي سيدا على بحر إيجة كله لا يهاب فيه عدوا رجع إلى جهة بيلوبونيز سائرا على امتداد كل الشواطئ حاملا من أبيدوس بعض بقايا قنطرة إكزاركسيس المشهورة لجعلها في المعابد تذكارا لذلك الانتصار.
لما أمنت يونيا شر غارات الفرس أخذت تعمر ما تخرب، ووضعت نفسها تحت حماية آتينا التي تربطها بها تذكارات الماضي ومنافع الحال وضعا تاما بقدر الإمكان، وبهذه المثابة تحزبت يونيا مع آتينا ضد إسبرطة التي كان ملكها ليوتيخيدس وبوزانياس موضعا للتظنن فيما يتعلق بعلاقتهما مع المتوحشين.
ناپیژندل شوی مخ