ولكن إذا كانت كل إدراكاتنا ليست فاسدة، وإذا كان بعض آحادها صحيحا فيلزم أن يختار إما الرأي الذي قام الدليل على صحته، وإما الآراء التي تظهر أنها أحق؛ لأن هذه الأخيرة تكون دائما أمتن من الآراء التي يجب أن يدلل عليها من بعد بمساعدة تلك المبادئ الأولى.
9
فلنسلم - إذا شئت - بأن هذين الرأيين مضادان أحدهما للآخر كما يفترض ميليسوس: بادئ بدء إنه عند تأييد الكثرة يضطر إلى استخراجها من اللاموجود، ثم لما كان هذا محالا وجب أن يستنتج من ذلك أن الموجودات ليست متكثرة والموجود بما هو موجود فقط هو لامتناه وبما هو لامتناه هو واحد.
10
نزعم أن هذين الرأيين لا يثبتان لأحدهما ولا الآخر أن الموجود هو واحد وأنه كثرة. ولكن إذا كان أحد الاثنين أحق وأمتن فتكون النتائج التي تستنتج منه هي أيضا أجلى وضوحا؛ فإن كان لنا هذان الاعتقادان معا: أن لا شيء يمكن أن يأتي من لاشيء، وأن الموجودات هي متكثرة ومتحركة، فلما أن هذا الأخير يظهر لنا حقيقا بالثقة فهو أولى من الآخر بتصديق الناس. وبالنتيجة إذا كان هذان الرأيان هما متضادين في الواقع، وإذا كان من المحال أن شيئا يأتي من لاشيء وأن الموجودات متعددة؛ فإن هاتين النظريتين تتباطلان وتتفاسدان على التكافؤ.
11
لكن لماذا إذن يكون رأي ميليسوس أحق؟! إنه يمكن أيضا تأييد الرأي المضاد ما دام أن ميليسوس قد وضح استدلاله من غير أن يكون قد دلل على أن الرأي الذي يصدر عنه هو الحق أو على الأقل أنه أمتن من الرأي الذي يقصد إلى أن يبرهن على فساده. وهذا من جانبه ليس إلا فرضا محضا أن يرى أن مجيء الأشياء من لاشيء أشبه بالحق من أن تكون متعددة.
12
ولقد أصاب من قال على ضد ذلك ها هنا إن أشياء لم تكن قد كانت، وإن كثيرا من الأشياء أخرج من العدم. وليس هؤلاء الذين افتكروا هذه الأفكار من أناس كيفما اتفق. بل هم مشهورون بأنهم أعقل الناس، مثال ذلك قال هيزيود:
كان العماء موجودا قبل كل الأشياء
ناپیژندل شوی مخ