کوکب ساطع
الكوكب الساطع ومعه الجليس الصالح
ژانرونه
(1) عزو هذا الحديث لمسلم خطأ , فإنه ما أخرجه , بل هو من أفراد النسائي من بين الكتب الستة , وهو حديث صحيح أخرجه في ((المجتبى)) برقم 2053 - فتنبه . @ والحشر مع معادنا الجسماني والحوض والصراط والميزان(1). هل آمن بالرسول , وأطاعه , أم لا ؟ والجواب عن الحديث أنه ليس المراد فيه بعذاب القبر عقوبته , بل مجرد الألم بالغم والهم والحسرة , والوحشة والضغطة التي تعم الأطفال وغيرهم . قال الناظم: وهذا القول هو الراجح . قلت : الحديث الذي ذكره ليس مرفوعا , بل هو موقوف على أبي هريرة رضي الله عنه(*) , فلا يكون حجة في المسألة , على أنه ليس نصا في السؤال . والله تعالى أعلم . قوله : ((لمن عدا الشهيد والأطفال)) ((عدا)) هنا حرف جر , و((الشهيد)) مجرور به . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى مسائل مما يجب اعتقادها أيضا : (الأولى) : أن الحشر والمعاد الجسماني حق , بأن يحيي الله الخلق بعد فنائهم , ويعيد أجسامهم بأجزائها وعوارضها كما كانت , ويجمعهم للعرض والحساب , قال الله تعالى :{وحشرناهم , فلم نغادر منهم أحدا} (سورة الكهف آية : 47) , {وإذا الوحوش حشرت} (سورة التكوير آية : 5) , {كما بدأنا أول خلق نعيده} (سورة الأنبياء آية : 104) , {كما بدأكم تعودون} (سورة الأعراف آية : 29) , والقرآن والسنة طافحان بذلك , حتى قال الإمام الرازي : الجمع بين إنكار المعاد الجسماني وبأن القرآن حق - متعذر , فإن نصوص الكتاب والسنة متواترة به تواترا لا يقبل التشكيك . انتهى.والمنكر لذلك الفلاسفة , انكروا حشر الأجسام وعودها , وقالوا : إنما تحشر وتعود الأرواح , وبطلان مذهبهم لا يحتاج إلى برهان . (*) ولفظه في ((الموطأ)) : عن مالك , عن يحيى بن سعيد , أنه قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : صليت وراء أبي هريرة على صبي لم يعمل خطية قط فسمعته يقول : ((اللهم أعذه من عذاب القبر)) . راجع ((الموطأ)) (ج ص 228).@ والنار والجنة مخلوقان اليوم والأشراط ذات الشان(1). (الثانية): أن الحوض حق , لقول الله تعالى :{إنا أعطيناك الكوثر} (سورة الكوثر آية1) وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الكوثر به , حيث قال : ((هو نهر وعدنيه ربي , وعليه خير كثير , وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة , آنيته عدد نجوم السماء , من شرب منه لم يظمأ بعده أبدا )) , وفي رواية لمسلم : ((يشخب(*) فيه ميزابان من الجنة )) متفق عليه , وقد ورد حديثه من نحو ستين صحابيا , كما قاله الناظم , فهو من الأحاديث المتواترة . (الثالثة) : أن الصراط حق , لما ثبت في ((الصحيح)) : ((يضرب الصراط بين ظهري جهنم , ويمر المؤمنون عليه , فأولهم كالبرق , ثم كمر الريح , ثم كمر الطير , وأشد الرجال ...)) الحديث. (الرابعة) : أن الميزان حق , لقول الله تعالى {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } الآية (سورة الأنبياء آية :47) , وقوله : {والوزن يومئذ الحق} الآية (سورة الأعراف آية :8) , فثبت بهذا الميزان , وأن أعمال العباد توزن يوم القيامة ,وأن الميزان له لسان , وكفتان , ويميل بالأعمال . وأنكرت المعتزلة ذلك , وقالت : هو عبارة عن العدل , فخالفوا الكتاب والسنة . قوله : ((والحوض إلخ)) بالجر عطفا على ((معادنا)) . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أن الجنة والنار مخلوقتان اليوم , النصوص الواردة بذلك , كقوله تعالى : {أعدت للمتقين} (آل عمران : 133) , وقصة آدم وحواء في إسكانهما الجنة وإخراجهما منها , وأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم دخل الجنة , ورأى فيها قصرا لعمر رضي الله عنه , ورأى النار , ورأى فيها عمرو بن لحي يجر قصبه فيها , وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة . وزعمت المعتزلة أنهما يخلقان يوم الجزاء , وهو مذهب باطل منابذ للنصوص الصريحة .(*)قوله: ((يشخب)) من باب قتل يقتل : أي يصب .@ طلوع شمسها ومعها القمر من مغرب بعد ثلاث تنظر ويخرج الدجال ثم ينزل عيسى وفي رملة لد يقتل والخسف والدابة والدخان وبعد هذا يرفع القران(1) 1410 . قوله :((مخلوقان)) إنما ذكره للضرورة . والله تعالى أعلم . وقوله :((والأشراط إلخ)) يأتي شرحه مع ما بعده . (1) أشار بهذه الأبيات إلى أشراط الساعة الكبرى , وهي التي رواها مسلم في ((صحيحه)) عن حذيفة رضي الله عنه , قال : اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة , ونحن نتذاكر الساعة , فقال : ((لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها , والدجال , والدخان , والدابة , ويأجوج ومأجوج , وخروج عيسى ابن مريم , وثلاث خسوفات : خسف بالمشرق , وخسف بالمغرب , وخسف بجزيرة العرب , ونار تخرج من قعر عدن , تسوق الناس إلى المحشر , تبيت معهم حيث باتوا , وتقيل معهم حيث قالوا )) .وروى مسلم أيضا من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما مرفوعا : ((إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها , وخروج الدابة على الناس ضحى , فأيتهما كانت قبل صاحبتها , فالأخرى)). وأشار بقوله : ((ومعها القمر إلخ)) - كما قال في ((شرحه)) - إلى ما أخرجه الفريابي , وابن أبي حاتم في ((تفسريهما )) , والطبراني في ((الكبير)) بسند على شرط الشيخين عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى : {يوم يأتي بعض آيات ربك} (سورة الأنعام آية : 158) قال : (( طلوع الشمس والقمر من مغربهما كالبعيرين)). وأشار أيضا بقوله : ((بعد ثلاث تنظر )) أي بعد ثلاث ليال تنتظر فيها - إلى ما أخرجه البيهقي في ((البعث)) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : ((إن الشمس تغرب , فتخر ساجدة , فتسلم , وتستأذن , فلا يؤذن لها , ثم الثالثة , فلا @ وأفضل الأمة صديق يلي فعمر فالأموي فعلي(1) فسائر العشرة فالبدرية فأحد فالبيعة الزكيه(2) وأفضل الأزواج بالتحقيق خديجة مع ابنة الصديق . يؤذن لها حتى إذا كان قدر ليلتين , أو ثلاث قيل لها : اطلعي من حيث جئت )) . قوله : ((وفي رملة لد يقتل)) يعني أن عيسى عليه السلام يقتل الدجال بباب لد من الرملة , والرملة - بفتح , فسكون -بلد بالشام. قاله في ((القاموس)) وقال أيضا : ولد - بالضم , والمشهور على ألسنة أهلها الكسر - قرية بفلسطين , يقتل فيها عيسى عليه السلام الدجال عند بابها انتهى بزيادة من شرحه . قوله : ((يقتل)) بالبناء للفاعل , والفاعل ضمير عيسى عليه السلام , ومفعوله محذوف ,أي الدجال. وقوله : ((والدابة)) بتخفيف الباء للوزن . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أن خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق بالإجماع , ولا عبرة بمخالفة الشيعة في ذلك في تقديمهم عليا , ولا بمخالفة من فضل العباس , ثم يليه عمر بن الخطاب , ثم عثمان بن عفان , ثم علي بن أبي طالب على ترتيبهم في الخلافة , فقد روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ((كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم , فنخير أبا بكر , ثم عمر , ثم عثمان )) زاد الطبراني : ((فيعلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم , ولا ينكره )) . قوله : ((فعمر)) فاعل ((يلي)) , والفاء زائدة . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى أنه يلي الخلفاء الراشدين في الفضل الستة الباقون من العشرة المبشرين بالجنة : طلحة , وسعد بن أبي وقاص , وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل , والزبير بن العوام , وعبد الرحمن بن عوف , وأبو عبيدة بن الجراح, ويليهم أهل بدر , وهم ثلاثمائة وبضعة عشر , ومنهم العشرة , ويليهم أهل أحد , ويليهم @ وفيهما ثالثها الوقف وفي عائشة وابنته الخلف قفي والمرتضى تقدم الزهراء بل وعلى مريم العذراء(1)1415 . أهل بيعة الرضوان بالحديبية , نقل الإجماع على هذا الترتيب أبو منصور التميمي , وأخرج أبو داود وغيره حديث : ((لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة))[1].والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذه الأبيات من زياداته على أصله إلى أنه اختلف في تفضيل أزواجه صلى الله عليه وسلم وكذا ابنته فاطمة رضي الله عنهن . قال النووي في ((الروضة)): وأفضل الأزواج خديجة وعائشة , وفي التفضيل بينهما أوجه : ثالثها الوقف , كذا حكى الخلاف بلا ترجيح , ورجح السبكي تفضيل خديجة , كما سيأتي , وقال المتولي : وقد تكلم الناس في عائشة وفاطمة أيهما أفضل على أقوال : ثالثها الوقف . قال الناظم : الصواب القطع بتفضيل فاطمة , وصححه السبكي , قال في ((الحلبيات)) : قال بعض من لا يعتد به بأن عائشة أفضل من فاطمة , وهذا قول من يرى أفضل الصحابة زوجاته لأنهن في الجنة معه في درجته التي هي أعلى الدرجات , وهو قول ساقط مردود ضعيف , لا مستند له من نظر , ولا نقل , والذي نختاره , وندين الله به أن فاطمة أفضل من خديجة , ثم عائشة , والحجة في ذلك ما ثبت في ((الصحيح)) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ((أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين)) , أو ((نساء هذه الأمة)) , وروى النسائي بسند صحيح حديث :((أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد , وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم )) , وهذا صريح في أنها وأمها أفضل نساء أهل الجنة , والحديث الأول يدل لتفضيلها على أمها , وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((فاطمة بضعة مني , يريبني ما رابها , ويؤذيني ما آذاها )) , وفي ((الصحيح)): ((خير نسائها مريم بنت عمران , وخير نسائها خديجة بنت خويلد )) , أي خير . [1] أخرجه مسلم في ((صحيحه)). @ ومابه عائشة قد رميت فإنها بغير شك برئت(1) ثم الذي بين الصحابة شجر نمسك عنه ونرى الكل ائتجر(2). نساء الدنيا , فهذا يقتضي أن مريم وخديجة أفضل النساء مطلقا , فمريم أفضل نساء زمانها , وخديجة أفضل نساء زمانها , وليس فيه تعريض لفضل إحدهما على الأخرى , وقد علمت أن مريم اختلف في نبوتها , فإن كانت نبية , فهي أفضل , وإن لم تكن فالأقرب أنها أفضل أيضا , لذكرها في القرآن , وشهادته بصديقيتها , وأما بقية الأزواج فلا يبلغن هذه المرتبة , وإن كن خير نساء الأمة بعد هؤلاء الثلاث , وهن متقاربات في الفضل , لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله , لكنا نعلم لحفصة بنت عمر من الفضائل كثيرا , فما أشبه أن تكون هي بعد عائشة . انتهى كلام السبكي . قال الناظم : ولم يتعرض للتفضيل بين مريم وفاطمة , والذي نختاره بمقتضى الأدلة تفضيل فاطمة , ففي مسند الحارث بن أبي أسامة بسند صحيح , لكنه مرسل : ((مريم خير نساء عالمها , وفاطمة خير نساء عالمها )). قال شيخ الإسلام ابن حجر : والمرسل يفسر المتصل , وروى النسائي عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((هذا ملك من الملائكة استأذن ربه ليسلم علي , ويبشرني أن حسنا وحسينا سيدا شباب أهل الجنة , وأمهما سيدة نساء أهل الجنة)). قوله:((مريم العذراء)) , وفي نسخة : ((الغراء)) . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه يجب على المكلف أيضا أن يعتقد براءة عائشة رضي الله عنها من كل ما رميت به , لنزول القرآن بذلك , قال الله تعالى : {إن الذين جاءوا بالإفك } الآيات (سورة النور آية 11) , فمن قذفها كفر لتكذيبه القرآن . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى أنه يجب الإمساك عما شجر بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم , وما وقع بينهم من الحروب , والمنازعات التي قتل بسببها كثير منهم ,@ والشافعي ومالك والحنظلي إسحاق والنعمان وابن حنبل وابن عيينة مع الثوري وابن جرير مع الأوزاعي والظاهري وسائر الأئمة على هدى من ربهم ورحمه(1)1420 والأشعري الحجة المعظم إمامنا في السنة المقدم(2) فتلك دماء طهر الله منها أيدينا , فلا نلوث بها ألسنتنا , ونرى الكل مأجورين في ذلك ;لأنه صدر منهم باجتهاد , والمجتهد في مسألة ظنية مأجور ولو أخطأ , كما تقدم . قوله : ((شجر)) , يقال : شجر الأمر بينهم شجرا , من باب قتل : اضطرب , واشتجروا تنازعوا , وتشاجروا بالرماح : تطاعنوا . قال في ((المصباح)).وقوله : ((ائتجر)) أي أصاب الأجر , لكن المصيب له أجران , والمخطئ له أجر . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أن مما ينبغي اعتقاده أن هؤلاء الأئمة, وسائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم في العقائد وغيرها , ولا التفات لمن تكلم فيهم بما هم بريئون منه , فقد كانوا من العلوم , والمواهب الإلهية , والاستباطات الدقيقة , والمعارف العزيزة , والدين , والورع , والعبادة والزهادة , والجلالة بالمحل الذي لا يساوى , والمقام الذي لا يدانى . وأراد بالظاهري -كما صرح به في شرحه- داود بن علي المتوفى في رمضان سنة(270) . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى أن أبا الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق ابن سالم بن إسماعيل بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولد سنة (260) , وقيل : (270) - إمام مقدم في السنة , كان أولا من المعتزلة , أخذ عن الجبائي , ثم هداه الله لمذهب أهل السنة , فقام بنصره . @ وإن ما كان الجنيد يلزم وصحبه فهو طريق قيم(1) قال أبو بكر الإسماعيلي : أعاذ الله هذا الدين بعد ما ذهب بأحمد بن حنبل ,وأبي الحسن الأشعري , وقد اختلق عليه الكرامية وغيرهم أشياء أرادوا بها شينه , فبرأه الله على لسان الحافظ أبي القاسم ابن عساكر في كتابه ((تبيين كذب المفتري فيما نسب للأشعري)) , وقال أبو الوليد الباجي : قد ناظر ابن عمر منكري القدر , واحتج عليهم بالحديث , وناظر ابن عباس الخوارج , وناظرهم عمر بن عبد العزيز , وناظر الشافعي حفصا الفرد , وسائر الأئمة قبل أن يخلق الأشعري , وإنما بين الأشعري , ومن بعده أصحابه مناهجهم , ووسع أطناب الأصول التي أصلوها , فنسبت بذلك إليه , كما نسب مذهب الفقه على رأي أهل المدينة إلى مالك , ورأي الكوفيين إلى أبي حنيفة انتهى . مات أبو الحسن سنة(324) ه . قلت : لكن هذا الانتساب إلى الأشعري المتأخر الوقت , دون الانتساب إلى السلف المتقدمين - فيه نظر لا يخفى , إذ الشافعي , وأضرابه أحق أن يقتدى به في هذا الشأن , وكان الشافعي رحمه الله شديد النكير على من يشتغل بعلم الكلام الذي خاض فيه الأشعري , وأضرابه الذين قطعوا معظم أعمارهم في البحث والتنقير عنه , وأصلوا ,وفرعوا , وتفننوا فيه , كما قدمنا الآثار التي نقلت عنه , وكذا عن غيره , فلأي شيء أحب أتباع الشافعي أخيرا في الانتساب إلى الأشعري , وتركوا وصية الإمام ؟ إن هذا لهو العجب العجاب !!! (1) أشار بهذا البيت إلى أن ماكان عليه الجنيد بن محمد أبو القاسم البغدادي الخزاز , وأصحابه من الطريقة كانت خالية من البدع دائرة على التفويض والتسليم , والتبري من النفس , واتباع الكتاب والسنة , بخلاف طريق كثير من المتأخرين , كابن عربي الطائي , وأضرابه , فإنها فاسدة , منابذة للكتاب والسنة قريبة من الفلسفة . قلت : بل هي عين الفلسفة , وأصل الزندقة . @ (خاتمة)(1) أول واجب على المكلف معرفة الله وقيل االفكر في دليله وقيل أول النظر وقيل قصده إليه المعتبر(2). وكان الجنيد سيد الطائفة الصوفية في عصره , جامعا بين العلم والعمل , وكان يقول : الطريق إلى الله تعالى مسدود إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان يقول : من لم يحفظ القرآن , ويكتب الحديث , ويتفقه لم يقتد به في هذا الأمر , لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة . وكان من العلماء العاملين , مولده ومنشأه , ووفاته ببغداد , وأصله من نهاوند, وقيل له : الخزاز-بزابين- لأنه كان يعمل الخز , وكان يعرف أيضا بالقواريري نسبة لعمل القوارير . مات في شوال سنة 297ه . والله تعالى أعلم . (1) أي هذه خاتمة يختم بها ما تقدم من مسائل علم أصول الدين . (2) أشار بهذين البيتين إلى أنه اختلف في أول الواجبات على أقوال : قيل : معرفة الله تعالى , لأنها مبنى سائر الأعمال , إذ لا يصح بدونها عمل واجب , أو غيره , والدليل قوله تعالى :{فاعلم أنه لا إله إلا الله } الآية (سورة محمد آية : 19) , وحديث معاذ رضي الله عنه في ((الصحيح)):((إنك ستأتي قوما أهل كتاب , فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله , فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات ...)) الحديث . وقيل : النظر المؤدي إليها , لأنه مقدماتها , وعليه الأستاذ أبو إسحاق , بناء على قوله : بوجوب النظر . وقيل : أول النظر , لتوقف النظر على أول أجزائه , وعليه أبو بكر الباقلاني .@ وقيل : القصد إلى النظر , لتوقف النظر على قصده , وعليه ابن فورك , وإمام الحرمين . قلت : هذه الأقوال غير الأول كلها أقوال واهية , وآراء فاسدة , لا تنبني على دليل من الكتاب والسنة , بل هي منابذة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم , حيث إنه كان يلقن كل من جاءه الشهادتين , ويقول لبعضهم : أتشهد أن لا إله إلا الله ,وأني رسول الله , وقال : ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ...)) متفق عليه , ولم ينقل عنه أنه كلف أحدا بالنظر في الأدلة , {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (سورة النمل آية : 64). ودونك ما قاله الأئمة المحققون الذين تضلعوا من علوم الكتاب والسنة , ولم يتأثروا بآراء الفلاسفة وأذنابهم , بل ساروا على منهج السلف حتى تنورت بصيرتهم بأنوار النصوص , فأنكروا ما أدخله المتفلسفون في الدين باسم أنه توحيد , فإذا هو تلحيد , وصد عن سبيل الله , وتبعيد لكافة الناس عن الله تعالى , والله المستعان على من خالف منهج الهدى ,واتبع سبل الضلال والردى .نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) عن أبي جعفر السمناني , وهو من رءوس الأشاعرة أنه قال : إن هذه المسألة- يعني وجوب النظر في الأدلة- بقيت في مقالة الأشعري من مسائل المعتزلة , وتفرع عليها أن أول الواجب على كل مكلف معرفة الله بالأدلة الدالة عليه , وأنه لا يكفي التقليد في ذلك . انتهى . وقال القرطبي في ((المفهم)) في شرح حديث : ((أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم)) : هذا الشخص الذي يبغضه الله هو الذي يقصد بخصومته مدافعة الحق , ورده بالأوجه الفاسدة , والشبه الموهمة , وأشد ذلك الخصومة في أصول الدين , كما يقع لأكثر المتكلمين المعرضين عن الطرق التي أرشد إليها كتاب الله , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وسلف الأمة إلى طرق مبتدعة , واصطلاحات مخترعة , وقوانين جدلية , وأمور صناعية , مدار أكثرها على آراء سوفسطائية , أو مناقضات لفظية , ينشأ بسببها على الآخذ فيها شبه , ربما يعجز عنها , وشكوك يذهب الإيمان معها ,@ وأحسنهم انفصالا عنها أجدلهم , لا أعلمهم , فكم من عالم بفساد الشبهة لا يقوى على حلها , وكم من منفصل عنها لا يدرك حقيقة علمها , ثم إن هؤلاء قد ارتكبوا أنواعا من المحال , لا يرتضيها البله , ولا الأطفال , لما بحثوا عن تحير الجواهر , والألوان , والأحوال , فأخذوا فيما أمسك عنه السلف الصالح , من كيفيات تعلقات صفات الله تعالى , وتعديدها , واتحادها في نفسها , وهل هي الذات أو غيرها ؟ وفي الكلام , هل هو متحد , أو منقسم ؟ وعلى الثاني , هل ينقسم بالنوع , أو الوصف ؟ وكيف تعلق في الأزل بالمأمور مع كونه حادثا ؟ ثم إذا انعدم المأمور , هل يبقى التعلق ؟ وهل الأمر لزيد بالصلاة مثلا هو نفس الأمر لعمرو بالزكاة , إلى غير ذلك مما ابتدعوه مما لم يأمر به الشارع , وسكت عنه الصحابة , ومن سلك سبيلهم , بل نهوا عن الخوض فيه , لعلمهم بأنه بحث عن كيفية ما لا تعلم كيفيته بالعقل , لكون العقول لها حد تقف عنده , ولا فرق بين البحث عن كيفية الذات , وكيفية الصفات , ومن توقف في هذا ,فليعلم أنه إذا كان حجب عن كيفية نفسه مع وجودها , وعن كيفية إدراك ما يدرك به , فهو عن إدراك غيره أعجز , وغاية علم العالم أن يقطع بوجود فاعل لهذه المصنوعات , منزه عن الشبه , مقدس عن النظير , متصف بصفات الكمال . ثم متى ثبت النقل عنه بشيء من أوصافة , وأسمائه قبلناه , واعتقدناه ,وسكتنا عما عداه , كما هو طريق السلف ,ما عداه لا يأمن صاحبه من الزلل . ويكفي في الردع عن الخوض في طريق المتكلمين ما ثبت عن الأئمة المتقدمين , كعمر بن عبد العزيز , ومالك بن أنس , والشافعي , وقد قطع بعض الأئمة بأن الصحابة لم يخوضوا في الجوهر والعرض , وما يتعلق بذلك من مباحث المتكلمين , فمن رغب عن طريقهم فكفاه ضلالا .قال : وأفضى الكلام بكثير من أهله إلى الشك, وببعضهم إلى الإلحاد , وببعضهم إلى التهاون بوظائف العبادات , وسبب ذلك إعراضهم عن نصوص الشارع , وتطلبهم حقائق الأمور من غيره , وليس في قوة العقل ما يدرك ما في نصوص الشارع من الحكم التي استأثر بها , وقد رجع كثير من أئمتهم عن طريقهم , @ حتى جاء عن إمام الحرمين أنه قال : ((ركبت البحر الأعظم , وغصت في كل شيء نهى عنه أهل العلم في طلب الحق , فرارا من التقليد , والآن فقد رجعت , واعتقدت مذهب السلف )). هذا كلامه , أو معناه , وعنه أنه قال عند موته : يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام , فلو عرفت أنه يبلغ بي ما بلغت ما اشتغلت به , إلى أن قال القرطبي : ولو لم يكن في الكلام إلا مسألتان , هما من مبادئه لكان حقيقا بالذم : (إحداهما) : قول بعضهم : إن أول واجب الشك , إذ هو اللازم عن وجوب النظر , أو القصد إلى النظر , وإليه أشار الإمام بقوله : ركبت البحر. (ثانيهما): قول جماعة منهم : إن من لم يعرف الله بالطرق التي رتبوها , والأبحاث التي حرروها لم يصح إيمانه , حتى لقد أورد على بعضهم أن هذا يلزم منه تكفير أبيك , وأسلافك , وجيرانك , فقال :لا تشنع علي بكثرة أهل النار , قال : وقد رد بعض من لم يقل بهما على من قال بهما بطريق من الرد النظري , وهو خطأ منه , فإن القائل بالمسألتين كافر شرعا , لجعله الشك في الله واجبا , ومعظم المسلمين كفارا حتى يدخل في عموم كلامه السلف الصالح , من الصحابة والتابعين , وهذا معلوم الفساد من الدين ,وإلا فلا يوجد في الشرعيات ضروري .وختم القرطبي كلامه بالاعتذار عن إطالة النفس في هذا الموضوع لما شاع بين الناس من هذه البدعة حتى اغتر بها كثير من الأغمار , فوجب بذل النصيحة , والله يهدي من يشاء انتهى . وقال أبو المظفر ابن السمعاني : تعقب بعض أهل الكلام قول من قال : إن السلف من الصحابة والتابعين لم يعتنوا بإيراد دلائل العقل في التوحيد بأنهم لم يشتغلوا بالتعريفات في أحكام الحوادث , وقد قبل الفقهاء ذلك , واستحسنوه , فدونوه في كتبهم , فكذلك علم الكلام , ويمتاز علم الكلام بأنه يتضمن الرد على الملحدين , وأهل الأهواء , وبه تزول الشبهة عن أهل الزيغ , ويثبت اليقين لأهل الحق , وقد علم الكل أن الكتاب لم تعلم حقيقته , والنبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت صدقه إلا @ بأدلة العقل .وأجاب: أما أولا : فإن الشارع, والسلف الصالح نهوا عن الابتداع , وأمروا بالاتباع , وصح عن السلف أنهم نهوا عن علم الكلام , وعدوه ذريعة للشك والارتياب , أما الفروع فلم يثبت عن أحد منهم النهي عنها , إلا من ترك النص الصحيح , وقدم عليه القياس , وأما من اتبع النص , وقاس عليه فلا يحفظ عن أحد من أئمة السلف إنكار ذلك , لأن الحوادث في المعاملات لا تنقضي , وبالناس حاجة إلى معرفة الحكم , فمن ثم تواردوا على استحباب الاشتغال بذلك , بخلاف علم الكلام . وأما ثانيا : فإن الدين كمل , لقوله تعالى : {اليوم أكملت لكم دينكم} (سورة المائدة آية 3) فإذا أكمله , وأتمه , تلقاه الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم , واعتقده من تلقى عنهم ,واطمأنت به نفوسهم , فأي حاجة بهم إلى تحكيم العقول , والرجوع إلى قضاياها ,وجعلها أصلا , والنصوص الصحيحة الصريحة تعرض عليها , فتارة يعمل بمضمونها , وتارة تحرف عن مواضعها لتوافق العقول , وإذا كان الدين قد كمل فلا تكون الزيادة فيه إلا نقصا في المعنى , مثل زيادة أصبع في اليد ,فإنها تنقص قيمة العبد الذي يقع به ذلك. وقد توسط بعض المتكلمين , فقال : لا يكفي التقليد , بل لا بد من دليل ينشرح به الصدر , وتحصل به الطمأنينة العلمية , ولا يشترط أن يكون بطريق الصناعة الكلامية , بل يكفي في حق كل أحد بحسب ما يقتضيه فهمه .انتهى. قال الحافظ ابن حجر : والذي تقدم ذكره من تقليد النصوص كاف في هذا القدر . وقال بعضهم : المطلوب من كل أحد التصديق الجزمي الذي لا ريب معه بوجود الله تعالى , والإيمان برسله , وبما جاءوا به كيفما حصل , وبأي طريق إليه يوصل , ولو كان من تقليد محض , إذا سلم من التزلزل. قال القرطبي :هذا الذي عليه أئمة الفتوى, ومن قبلهم من أئمة السلف ,@ واحتج بعضهم بما تقدم من القول في أصل الفطرة , وبما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن الصحابة أنهم حكموا بإسلام من أسلم من جفاة العرب , ممن كان يعبد الأوثان , فقبلوا منهم الإقرار بالشهادتين , والتزام أحكام الإسلام من غير إلزام بتعلم الأدلة ,وإن كان كثير منهم إنما أسلموا لوجود دليل ما , فأسلم بسبب وضوحه له , فالكثير منهم قد أسلموا طوعا من غير تقدم استدلال , بل بمجرد ما كان عندهم من أخبار أهل الكتاب بأن نبيا سيبعث , وينتصر على من خالفه, فلما ظهرت لهم العلامات في محمد صلى الله عليه وسلم بادروا إلى الإسلام , وصدقوه في كل شيء قاله , ودعاهم إليه من الصلاة والزكاة وغيرهما , وكثير منهم كان يؤذن له في الرجوع إلى معاشه من رعاية الغنم وغيرها , وكانت أنوار النبوة, وبركاتها تشملهم , فلا يزالون يزدادون إيمانا ويقينا .وقال أبو المظفر ابن السمعاني أيضا ما ملخصه : إن العقل لا يوجب شيئا , ولا يحرم شيئا , ولا حظ له في شيء من ذلك , ولو لم يرد الشرع بحكم ما وجب على أحد شيء لقوله تعالى : {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} (سورة الإسراء آية :15) , وقوله : {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} (سورة النساء آية : 165), وغير ذلك من الآيات .فمن زعم أن دعوة رسل الله عليهم الصلاة والسلام إنما كانت لبيان الفروع , لزمه أن يجعل العقل هو الداعي إلى الله دون الرسل , ويلزمه أن وجود الرسول وعدمه بالنسبة إلى الدعاء إلى الله سواء , وكفى بهذا ضلالا . ونحن لا ننكر أن العقل يرشد إلى التوحيد , وإنما ننكر أنه يستقل بإيجاب ذلك حتى لا يصح إسلام إلا بطريقه , مع قطع النظر عن السمعيات , لكون ذلك خلاف ما دلت عليه آيات الكتاب , والأحاديث الصحيحة التي تواترت , ولو بالطريق المعنوي , ولو كان كما يقول أولئك لبطلت السمعيات التي لا مجال للعقل فيها أو أكثرها , بل يجب بما ثبت من السمعيات , فإن عقلناها , فبتوفيق الله , وإلا اكتفينا باعتقاد حقيته على وفق مراد الله سبحانه وتعالى انتهى . @ قال الحافظ ابن حجر : ويؤيد كلامه ما أخرجه أبو داود عن ابن عباس : أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أنشدك الله آلله أرسلك أن نشهد أن لا إله إلا الله , وأن ندع اللات والعزى ؟ قال : ((نعم)) , فأسلم , وأصله في ((الصحيحين)) في قصة ضمام بن ثعلبة , وفي حديث عمرو بن عبسة عند مسلم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم , فقال : ما أنت ؟ قال : ((نبي الله)) , قلت :آلله أرسلك ؟ قال : ((نعم)) , قلت : بأي شيء ؟ قال : ((أوحد الله , لا أشرك به شيئا...)) الحديث . وفي حديث أسامة بن زيد في قصة قتله الذي قال : لا إله إلا الله , فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم . وحديث المقداد في معناه . وفي كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وكسرى , وغيرهما من الملوك يدعوهم إلى التوحيد إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة التواتر المعنوي الدال على أنه صلى الله عليه وسلم لم يزد في دعائه المشركين على أن يؤمنوا بالله وحده , ويصدقوه فيما جاء به عنه , فمن فعل ذلك قبل منه , سواء كان إذعانه عن تقدم نظر , أم لا , ومن توقف منهم نبهه حينئد على النظر , أو أقام عليه الحجة إلى أن يذعن , أو يستمر على عناده . وقال البيهقي في ((كتاب الاعتقاد)): سلك بعض أئمتنا في إثبات الصانع,وحدوث العالم طريق الاستدلال بمعجزات الرسالة , فإنها أصل في وجوب قبول ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم , وعلى هذا الوجه وقع إيمان الذين استجابوا للرسل , ثم ذكر قصة النجاشي , وقول جعفر بن أبي طالب له : ((بعث الله إلينا رسولا نعرف صدقه , فدعانا إلى الله , وتلا علينا تنزيلا من الله , لا يشبهه شيء , فصدقناه, وعرفنا أن الذي جاء بن الحق ...)) الحديث بطوله , وقد أخرجه ابن خزيمة في كتاب الزكاة من ((صحيحه)) من رواية ابن اسحاق , وحاله معروفة , وحديثه في درجة الحسن . قال البيهقي : فاستدلوا بإعجاز القرآن على صدق النبي صلى الله عليه وسلم , فآمنوا بما جاء به , من إثبات الصانع , ووحدانيته , وحدوث العالم , وغير ذلك مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن وغيره, واكتفاء غالب من أسلم بمثل ذلك مشهور في الأخبار,@ 1425 ومن تكون نفسه أبيه يجنح للمراتب العليه(1) . فوجب تصديقه في كل شيء ثبت عنه بطريق السمع , ولا يكون ذلك تقليدا , بل هو اتباع , والله أعلم . انتهى المقصود من ((الفتح))(*). قلت : وإنما أطلت في نقل كلام هؤلاء الأئمة , وإن كان أصل الكتاب مبنيا على الاختصار , لكون جمهور المتأخرين ينتسبون في العقائد إلى غير مذهب السلف , ويعتمدون على كلام من هو قليل الدراية في المنقول , وإنما علمه مبني على مجرد المعقول , فبعضهم يقول : أنا أشعري , وبعضهم يقول : أنا ماتريدي , وهذان المذهبان مبنيان على أسس المتكلمين التي انصبغت بأفكار الفلاسفة . فيا للعجب كيف ينتسبون في فروع المسائل إلى الأئمة : أبي حنيفة , ومالك , والشافعي , وأحمد , وهؤلاء هم الذين حذروا الأمة عن مذهب المتكلمين , وشددوا النكير في ذلك , كما سبق في كلام الشافعي وغيره , أفلا يكون الانتساب إليهم في أصول الدين أحق , ولماذا كانت ثقتهم بهم في الفروع فقط , مع أنهم يعرفون تمام المعرفة أن العكس هو الأهم , إن هذا لهو العجب العجاب !! . وبالجملة فالواجب على المسلم أن يأخذ دينه , ولا سيما العقيدة من الكتاب والسنة على ما فهمه السلف الصالح من الصحابة والتابعين بعقولهم الصافية المنورة بالاتباع , لا على ما فهمه الخلف بعقولهم المصبوغة بالآراء الفلسفية والابتداع , فإن هذه مهلكة كبرى . وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف. نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا , ويرزقنا اتباعه , ويرينا الباطل باطلا , ويرزقنا اجتنابه , إنه سميع عليم , وبعباده رءوف رحيم . (1) أشار بهذا البيت إلى أن من كانت نفسه أبية - وهي التي تأبى إلا العلو الأخروي -يجنح بها إلى معالي الأمور , من الأخلاق المحمودة : كالتواضع , والصبر , وسلامة الباطن , والزهد , وحسن الخلق , وكثرة الاحتمال , ويرفعها . (*) ((فتح الباري بشرح صحيح البخاري)) (ج15/ص296-301). @ ومن يكون عارفا بربه مصورا لبعده وقربه رجا وخاف فأصاخ فارتكب مأموره وما نهى عنه اجتنب أحبه الله فكان عقله وسمعه ويده ورجله واعتده من أولياه إن دعاه أجابه أو استعاذه كفاه(1). بالمجاهدة عن سفسافها -أي دنيئها- من الأخلاق المذمومة : كالكبر , والغضب , والحقد , والحسد , وسوء الخلق , وقلة الاحتمال , وحب الدنيا . وهذا البيت مأخوذ من حديث :((إن الله يحب معالي الأمور , ويكره سفسافها)) , رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). والطبراني في ((الكبير)), و((الأوسط)) , وهو حديث صحيح . ومن حديث : ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)) , أخرجه أحمد بإسناد صحيح . قوله : ((ومن)) اسم موصول مبتدأ خبره جملة ((يجنح)) , أي يميل . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذه الأبيات إلى معنى ولي الله تعالى , وهو العالم بالله تعالى وبأسمائه وصفاته , المواظب على طاعته , المخلص في عبادته, لأنه تولى الله تعالى بالطاعة, والتقوى, فتولاه الله بالحفظ , والنصرة. إذا علمت هذا, فمن عرف ربه بأنه إله بحق , ومدبر , وخالق , ومنعم, ومتفضل , وأنه هو عبد , ومخلوق , ومحتاج , ومضطر في كل شئونه إليه , وتصور تقريبه لعبده بهدايته ولطفه , وتبعيده له بإضلاله وخذلانه -خاف أن يكون من أهل البعد , ورجا أن يكون من أهل القرب , فأصاخ -أي أمال أذنه- وأصغى إلى ما ورد عن الله تعالى من أمر ونهي , فارتكب المأمور من واجب ونفل , واجتنب المنهي من حرام ومكروه , فأحبه مولاه , فحفظه في حركاته وسكناته , وتولاه, واتخذه من أوليائه , يجيب دعوته , ويكشف كربته , وينصره على أعدائه , كما روى البخاري في ((صحيحه)) عن أبي هريرة رضي الله عنه , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((قال الله عز وجل : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب , وما تقرب إلي @ 1430 أما الذي همته دنيه فلا مبالاة له سنيه وفوق جهل الجاهلين يجهل وتحت سبل المارقين يدخل(1) فخذ صلاحا بعد أو فسادا وشقوة ترديك أو إسعادا وقربا أو بعدا وسخطا أو رضا وجنة الفردوس أو نارا لظى(2) .عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه , وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به , وبصره الذي يبصر به , ويده التي يبطش بها , ورجله التي يمشي بها , ولئن سألني لأعطينه , ولئن استعاذني لأعيذنه)). وفي لفظ لأبي يعلى من حديث ميمونة رضي الله عنها :((ولسانه الذي ينطق به , وقلبه الذي يغفل به)). قوله : ((من أولياه)) بالقصر للوزن , وفي نسخة بدل هذا البيت : واعتده من أولياه إن دعا أجابه أو استعاذه أعا وقوله : ((أعا)) أصله أعاذه , حذف الذال والضمير , لضروروة الوزن . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذين البيتين إلى أن من كان دني الهمة لا يبالي هل قربة الله , أو أبعده, فلا يبحث عن أمره ونهيه, ولو علمهما لا يعمل بمقتضاهما , فلا يهمه أن يكون عمله موافقا للشرع , أو مخالفا له , مرضيا لربه , أو مسخطا له , فيجهل بذلك فوق جهل الجاهلين , ويدخل تحت ربقة المارقين أي الخارجين عن أمر الدين. والله تعالى أعلم .(2) أشار بهذين البيتين إلى حث العاقل اللبيب الذي عرف الفرق بين الحالين على أن يختار لنفسه ما هو الأصلح لها , أي بعد أن عرفت حال علي الهمة , وما يحصل له من المراتب العلية , والمواهب السنية , وحال دني الهمة , وما له من الخزي , والهوان , والندامة , والخسران , فاسلك بعد هذا ما ترضاه لنفسك , @ وزن بشرع كل أمر خاطر فإن يكن يؤمر به فبادر فإن تخف وقوعه على صفه منهية فما عليك من سفه 1435 فحاجة استغفارنا إليه لا يوجب تركه بل الذكر علا من ثم قال السهروردي اعمل وإن خشيت عجبا ثم داوه وزن(1) وتحب أن تصير إليه , والعاقل لا يؤثر طريق دني الهمة التي هي سبب الشقاء والبعد , والسخط , والنار , على طريق عليها التي هي سبب السعادة والقرب , والرضا , ,والجنة ذات الأنهار . قوله : ((شقوة)) بكسر , فسكون : ضد السعادة , ومثله ((الشقاوة)) . وفي نسخة ((أو شقوة)) ب ((أو)). وقوله : ((ترديك)) أي تهلكك , ووقع في بعض النسخ : ((تريك )) والظاهر أنه مصحف . وقوله :((لظى)) مقصورا , كفتى : النار أو لهبها , فيكون عطف بيان ل ((نارا)) , أو بدلا عنه . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذه الأبيات إلى أنه إذا عرض لسالك طريق الآخرة أمر , فطريقة أن يزنه بميزان الشرع , فإن الأحكام لا تعرف إلا منه , وله ثلاث أحوال : (الحالة الأولى): أن يعلم أنه مأمور به شرعا , إما على طريق الوجوب , أو الاستحباب ,فليبادر إلى فعله , فإنه من الرحمن , ألقاه في قلبه إلهاما , أو ألقاه الملك في الروع ,والإتيان بالفاء التعقيبية في قوله : ((فبادر)) لإفادة المسارعة إليه , ثم إن خشيت مع كونه مأمورا به أن يقع على صفة منهية , كعجب , ورياء , فلا يكن ذلك مانعا لك من المبادرة إليه , بل أقم الأمر ,واحترز عن المنهي , فقد قال الفضيل بن عياض رحمه الله : العمل لأجل الناس شرك , وترك العمل لأجل الناس رياء , والإخلاص أن يعافيك الله منهما . وقوله: ((فحاجة استغفارنا إلخ)) أشار به إلى ما قيل : استغفارنا يحتاج إلى @ استغفار , إذ مقتضاه أن لا يستغفر , والجواب أن ذلك لا يقتضي ترك الاستغفار , وإنما معناه ذم غفلة القلب في حالة الاستغفار . وقوله:((من ثم قال السهروردي إلخ )) أي لأجل ما ذكر من عدم ترك الاستغفار , وإن كان في حال الغفلة . قال شهاب الدين السهروردي لما قال له بعض أهل خراسان : القلب مع الأعمال يداخله العجب , ومع ترك الأعمال يخلد إلى البطالة ؟ فأجابه بقوله : لا تترك الأعمال , وداو العجب بأن تعلم أن ظهوره من النفس , فاستغفر الله , فإن ذلك كفارته , ولا تدع الأعمال رأسا . قال بعضهم : من مكايد الشيطان ترك العمل خوفا من أن يقول الناس : إنه مراء وهذا باطل , فإن تطهير العمل من نزعات الشيطان بالكلية متعذر , فلو وقفنا على الكمال لتعذر الاشتغال بشيء من العبادات , وذلك يوجب البطالة , وهي أقصى غرض الشيطان. وقال النووي : لو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس , والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة لانسد عليه أكثر أبواب الخير , وضيع على نفسه شيئا عظيما من مهمات الدين , وليس هذا طريق العارفين , ولقد أحسن من قال : سيروا إلى الله عرجا ومكاسير , ولا تنتظروا الصحة , فإن انتظار الصحة بطالة . وعن الشافعي أنه قال : إذا خفت على عملك العجب , فاذكر رضا من تطلب وفي أي نعيم ترغب , ومن أي عقاب ترهب , وأي عافية تشكر , وأي بلاء تذكر , فإنك إذا فكرت في واحدة من هذه الخصال صغر في عينك عملك . قوله : ((يؤمر به)) بالياء , وفي نسخة ((تؤمر به)) بتاء الخطاب , وهو بدل من فعل الشرط , ولذا جزم , و((يكن)) تامة, بمعنى يتبين , ويحتمل أن تكون ناقصة , وجملة ((يؤمر به)) خبرها , وسكنت راء ((يؤمر)) للضرورة . وقوله : ((فما عليك من سفه)) ((من)) زائدة , أي ليس عليك سفاهة بفعل @ وإن يكن مما نهي عنه احذر فإن تمل لفعله فاستغفر والهم والحديث مغفوران ما لم يك يعمل أو به تكلما(1) إن لم تطع في تركها الأماره فجاهدنها وشن الغاره(2) 1440 . ذلك الفعل; لأن ذلك الخوف غير معتبر , إذ الواجب في مثله أن تعمل المأمور , وتستعيذ مما يفسده من العجب ونحوه . وقوله : ((بل الذكر علا)) ((الذكر)) مبتدأ , و((علا)) يحتمل أن يكون فعلا ماضيا , والجملة خبر المبتدأ , أي الذكر ولو مع الغفلة علا قدره , وارتفع شأنه , فلا يترك لعدم حضور القلب , ويحتمل أن تكون ((على)) حرف جر كما في بعض النسخ , فيكون المجرور محذوفا ضرورة , و((الذكر)) مبتدأ , خبره محذوف , أي الذكر على غفلة لا يترك . وقوله:((وزن)) أي زن أعمالك بميزان الشرع . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذين البيتين إلى (الحالة الثانية) : وهي أن تجد ذلك الأمر منهيا عنه شرعا فاحذره , ولا تقربه , فهو من الشيطان , أو من النفس , فإن ملت بقلبك إلى فعل ذلك المنهي عنه فاستغفر الله تعالى من الميل . (واعلم): أن حديث النفس , أي ترددها بين فعل المنهي عنه , وتركه , والهم منها بفعله -مغفوران , ما لم تتكلم أو أن تعمل به , ففي ((الصحيحين)) : ((إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم , أو تعمل به )) . قوله : ((فإن تمل لفعله)) , وفي نسخة: ((فإن تمل لغفلة)). وقوله: ((يعمل)) بالجزم بدل من ((يك)).(2) يعني أنك إذا هممت بمعصية فلتتركها وجوبا , واستغفر الله من همك , فإن لم تطعك النفس الأمارة بالسوء على تركها ; لحبها بالطبع المنهي عنه من الشهوات - فلتجاهدها بقدر الإمكان لتطيعك , فإنها حينئذ أكبر أعدائك لقصدها @ فإن فعلت تب فإن لم تقلع للذة أو كسل موسع فلتتذكر هاذم اللذات وفجأة الممات والفوات(1) أو لقنوط فاخش مقت ربكا واذكر عظيم عفوه يسهل بكا(2) . لك الهلاك الأبدي باستدراجها لك من معصية إلى أخرى .فقوله : ((الأمارة)) فاعل ((تطع)) ومفعوله محذوف , أي تطعك . وقوله : ((وشن الغارة)) كنى به عن شدة المجاهدة , يقال : شننت الغارة شنا من باب قتل : فرقتها , والمراد الخيل المغيرة . قاله في ((المصباح)). (1) يعني أنه إذا غلبتك النفس الأمارة بالسوء , ولم تقدر على قمعها بالمجاهدة , وواقعت المعصية وجب عليك المبادرة إلى التوبة لترفع إثم الفعل بها , كما وعد الله تعالى بقبولها -فضلا منه- في قوله : {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} (سورة الشورى آية:25). فإن لم يقلع عن المعصية , فإن كان سبب ذلك الاستلذاذ بالمعصية , والكسل عن الخروج عنها , فعلاجه أن تتذكر هاذم اللذات , وفجأة الفوات , أي الموت الذي يأتي فجأة , فيهذم اللذات -بالمعجمة- أي يقطعها , فتفوت التوبة وغيرها من الطاعات , فإن تذكر ذلك باعث شديد على الإقلاع عما تستلذ به , أو تكسل عن الخروج منه , قال صلى الله عليه وسلم : ((أكثروا ذكر هاذم اللذات , فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه , وفي سعة إلا ضيقها )) . رواه حبان في ((صحيحه))[1]. قوله:((أو كسل)), وفي نسخة : ((أو أمل)).(2) يعني أنه إن كان سبب عدم الإقلاع القنوط واليأس من رحمة الله وعفوه لشدة الذنب , أو استحضارك عظمة الرب , فلتخف مقت الله , حيث ضممت إلى الذنب اليأس من العفو عنك , وقد قال الله تعالى : {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (سورة يوسف آية :87). [1] ورواه أحمد , والترمذي وصححه , والنسائي , وابن ماجه بلفظ : ((أكثروا من ذكر هاذم اللذات)), دون الزيادة. @ واعرض على نفسك توبة تؤم وما حوت من حسن وهي الندم وشرطها الإقلاع والعزم السني أن لا يعود وادراك الممكن(1) 1445 وصحة التوبة قال الأكثر ولو يكون بعد نقض يكثر عن أي ذنب كان لو صغيرا مع فعله آخر لو كبيرا(2) وأشار بقوله : ((واذكر عظيم عفوه إلخ)) إلى طريق علاجه وهو أن تستحضر سعة رحمة الله التي لا يحيط بها إلا هو , لترجع عن قنوطك , وكيف تقنط , وقد قال الله تعالى :{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} (سورة الزمر آية : 53), وقال صلى الله عليه وسلم : ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم , ولجاء بقوم آخرين , يذنبون بيستغفرون , فيغفر لهم )) .وقال : ((لله أفرح بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض فلاة , عليها طعامه وشرابه , ثم وجدها ...)) الحديث , رواهما مسلم . (1) يعني أن من واقع المعصية يجب عليه أن يعرض على نفسه التوبة , ومحاسنها , وهي الندم على المعصية , كذا فسرها الأصوليون , لحديث : ((الندم توبة )) . وهو حديث صحيح أخرجه أحمد في ((مسنده)) , وغيره , زاد الطبراني , وغيره : ((والتائب من الذنب كمن لا ذنب له )) . وهي زيادة حسنة . ولها شروط ذكرها الفقهاء , لا تتحقق إلا بها , وهي : الإقلاع عنها في الحال , والعزم على أن يعود في المستقبل , ثم إن تعلقت بآدمي شرط أمر آخر , وهو الخروج عن تلك المظلمة , إن أمكنه ذلك . وقوله : ((ادارك)) افتعال من الدرك , أي تدارك ما أمكن تداركه . (2) يعني أن التوبة تصح عند الجمهور ولو نقض التوبة; بأن عاد إلى فعل المتوب عنه, وخالف في ذلك بعضهم , فقال : إن عاد بطلت توبته , وهو قول @ . وإن شككت قف فترك طاعة أولى من الوقوع في مفسدة من ثم قال بعضهم من شك هل ثلاث أو ينقص عنه ما غسل(1) . باطل , منابذ للسنة . وكذا تصح التوبة من الذنوب مطلقا : كبائرها , وضغائرها . وقال أبو هاشم من المعتزلة : لا تصح التوبة , ولا تجب من صغيرة , لتكفيرها باجتناب الكبائر . والأكثرون على خلافه , بل حكى إمام الحرمين الإجماع على وجوب التوبة من الصغائر كالكبائر . وكذا تصح التوبة وإن كان مصرا على ذنب آخر غير المتوب عنه . وقالت المعتزلة : لا تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على آخر , والجمهور على خلافه . قال الأستاذ أبو إسحاق : سواء كان الآخر من جنسه , أم لا , حتى لو تاب عن الزنا بامرأة مع الإقامة على الزنا بمثلها صح . وقال الحليمي وغيره : إن كان من جنسه لم تصح , وإلا صحت . قوله : ((وصحة التوبة إلخ)) مبتدأ خبره قوله : ((عن أي ذنب)) ولو قال : ((وصحت التوبة)) بصيغة الماضي , لكان أوضح , وفي نسخة بدل هذا البيت : وصحة التوبة عند الأكثر ولو تكون بعد نقض يكثر .(1) أشار بهذين البيتين إلى (الحالة الثالثة) : وهي أن تشك في الخاطر أمأمور به , أو منهي عنه ؟ فلتمسك عنه , حذرا من الوقوع في المنهي عنه , فإن تركه أولى من ارتكاب مأمور , لشدة اعتناء الشارع بدرء المفاسد , فهو أولى عنده من جلب المصالح .@ نعم على الصوفي ترك اللعب وشأنه الإيثار لا في القرب 1450 والاعتزال في زمان الفتن من بعد علم واجب والسنن والصبر واليقين ثم الشكر والصمت إلا ذاكرا والفكر(1) . وفي الحديث : ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك))[1] وأشار بقوله : ((من ثم إلخ)) إلى ما قاله الجويني في المتوضئ إذا شك هل غسل اثنتين , أو ثلاثا لا يبني على الأقل , بل يقتصر , ولا يغسل الثالثة , لأنه دار الأمر بين ترك سنة , وفعل بدعة , والأول أولى , والجمهور قالوا : يغسل , لأنها إنما تكون بدعة منهيا عنها عند تحقق أنها رابعة . قوله : ((فترك طاعة)) , وفي نسخة : ((فنبذ طاعة)).(1) أشار بهذه الأبيات إلى بيان بعض آداب الصوفي , فمنها : 1- ترك اللهو واللعب , والإعراض عن ملاهي الدنيا , والإقبال على الله تعالى , وطلب الآخرة. 2- إيثار غيره على نفسه فيما يتعلق بأمور الدنيا , وحظوظ النفس , لقوله تعالى : {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} (الحشر :9) . ولا يستحب الإيثار في القربات , كماء الطهارة , وساتر العورة , وكالصف الأول , لأن الغرض من العبادة التعظيم والإجلال , فالنفس أحق به من غيرها . 3- الاعتزال عن الناس , والإقبال على ما يعنيه , لحديث الشيخين :((ثم مؤمن معتزل في شعب , يتقي ربه , ويدع الناس من شره)) , لكن هذا يكون بعد أن يتعلم الواجب والسنن , لأن العبادة مع الجهل ضلال . 4- الصبر , لآيات كثيرة وردت في مدح الصبر , وهو حبس النفس على المكروه , وكف اللسان عن الشكوى , والمكابدة في تحمله , وانتظار الفرج . [1] حديث صحيح أخرجه أحمد في ((مسنده)). @ وهو على ثلاثة أقسام : صبر عن المعصية , فلا يرتكبها , وصبر على الطاعة حتى يؤديها , وصبر على البلية , فلا يشكو ربه فيها . 5- اليقين . 6- الشكر . 7- الصمت إلا عن ذكر الله , وما يرجو فيه خيرا . 8-التفكير في آلاء الله . 9- ترك سؤال الناس شيئا من الدنيا , كما أشار إليه بقوله في البيت التالي : ((وتركه السؤال)).(فائدة مهمة): (اعلم) أني لم أر من تكلم في ((الصوفية)) مثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله , فإنه حقق الكلام في ذلك أحسن تحقيق , حيث قال كما في ((مجموع الفتاوى)) المجلد 11,ما مختصره : أما لفظ الصوفية , فإنه لم يكن مشهورا في القرون الثلاثة , وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك , وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ , كالإمام أحمد , وأبي سليمان الداراني , وغيرهما , وقد روي عن سفيان الثوري أنه تكلم به , وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري , وتنازعوا في المعنى الذي أضيف إليه الصوفي , فإنه من أسماء النسب , كالقرشي والمدني , وأمثال ذلك : فقيل : إنه نسبة إلى أهل الصفة , وهو غلط , لأنه لو كان كذلك لقيل : صفي , بضم صاد , فتشديد فاء .وقيل نسبة إلى الصف المقدم بين يدي الله , وهو غلط أيضا , فإنه لو كان كذلك لقيل : صفي -بفتح فتشديد . @ وقيل : نسبة إلى الصفوة من خلق الله , وهو غلط , لأنه لو كان كذلك لقيل : صفوي . وقيل : نسبة إلى صوفة بن بشر بن أد بن طابخة , قبيلة من العرب , كانوا يجاورون بمكة من الزمن القديم , ينسب إليهم النساك , وهذا , وإن كان موافقا للنسب من جهة اللفظ , فإنه ضعيف أيضا , لأن هؤلاء غير مشهورين , ولا معروفين عند أكثر النساك , ولأنه لو نسب النساك إلى هؤلاء لكان هذا النسب في زمن الصحابة والتابعين , وتابعيهم أولى , ولأن غالب من تكلم باسم الصوفي لا يعرف هذه القبيلة , ولا يرضى أن يكون مضافا إلى قبيلة في الجاهلية , لا وجود لها في الإسلام . وقيل -وهو المعروف-: أنه نسبة إلى لبس الصوف , فإنه أول ما ظهرت الصوفية من البصرة , وأول من بنى دويرة الصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد , وعبد الواحد من أصحاب الحسن , وكان في البصرة من المبالغة في الزهد , والعبادة , والخوف , ونحو ذلك ما لم يكن في سائر أهل الأمصار , ولهذا يقال : فقه كوفي , وعبادة بصرية . إلى أن قال : ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد , والتنازع فيه - تنازع الناس في طريقهم , فطائفة ذمت الصوفية والتصوف , وقالوا : إنهم مبتدعون , خارجون عن السنة , ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف , وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام . وطائفة غلت فيهم , وادعوا أنهم أفضل الخلق , وأكملهم بعد الأنبياء , وكلا طرفي هذه الأمور ذميم .والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله , كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله , ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده , وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين , وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ , وفيهم من يذنب , فيتوب , أو لا يتوب . @ ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه , عاص لربه . وقد انتسب إليهم من أهل البدع والزندقة , ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم , كالحلاج مثلا , فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه , وأخرجوه عن الطريق , مثل الجنيد بن محمد سيد الطائفة , وغيره , كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في ((طبقات الصوفية)) , وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في ((تاريخ بغداد)) . فهذا أصل التصوف , ثم إنه بعد ذلك تشعب , وتنوع , وصارت الصوفية ثلاثة أصناف : صوفية الحقائق , وصوفية الأرزاق , وصوفية الرسم . فأما صوفية الحقائق : فهم الذين وصفناهم , وأما صوفية الأرزاق : فهم الذين وقفت عليهم الوقوف , كالخوانك , فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق , فإن هذا عزيز , وأكثر أهل الحقائق لا يتصفون بلزوم الخوانك , ولكن يشترط فيهم ثلاثة شروط : (أحدها): العدالة الشرعية , بحيث يؤدون الفرائض , ويجتنبون المحارم . (والثاني): الأدب بآداب أهل الطريق , وهي الآداب الشرعية في غالب الأوقات, وأما الآداب البدعية الوضعية فلا يلتفت إليها . (والثالث): أن لا يكون أحدهم متمسكا بفضول الدنيا , فأما من كان جماعا للمال , أو كان غير متخلق بالأخلاق المحمودة , ولا يتأدب بالآداب الشرعية , أو كان فاسقا , فإنه لا يستحق ذلك .وأما صوفية الرسم : فهم المقتصرون على النسبة , فهمهم في اللباس , والآداب الوضعية , ونحو ذلك , فهؤلاء في الصوفية بمنزلة الذي يقتصر على زي أهل العلم , وأهل الجهاد , ونوع ما , من أقوالهم , وأعمالهم , بحيث يظن الجاهل حقيقة أمره أنه منهم , وليس منهم . انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى باختصار(*). (*) ((مجموع الفتاوى)) (ج 11 ص5-20). @ وتركه السؤال والتوكل والكسب خلف أي ذين أفضل ثالثها التفصيل والصواب ما خالف التوكل اكتساب(1) ولا ادخار قوت عام والكفاف أفضل من فقر ومال للعفاف(2) 1455 .(1) أشار بهذين البيتين إلى أنه اختلف في التوكل والكسب أيهما أفضل , على أقوال : (أحدها): التوكل لأنه حال النبي صلى الله عليه وسلم , وحل أهل الصفة . وفي ((الصحيح)) حديث الذين يدخلون الجنة بغير حساب , وفيه:((وعلى ربهم يتوكلون)) . (الثاني): الاكتساب , لحديث البخاري مرفوعا : ((ما أكل أحد طعاما قط أطيب مما كسبت يداه )). (الثالث): أنه يختلف باختلاف الناس , فمن صبر على الفاقة , ولم يتسخط على الله عند تعذر الرزق , ولا تستشرف نفسه إلى أحد من خلقه فالتوكل له أفضل , وإلا فالاكتساب له أفضل . وأشار بقوله : ((والصواب إلخ)) إلى أن الأصح أن التوكل لا ينافي الاكتساب . قال الشيخ ولي الدين رحمه الله : وفي جعل الاكتساب في مقابلة التوكل نظر , فإن الاكتساب لا ينافي التوكل , فإن التوكل ركون القلب إلى الله , والاعتماد عليه , لا على السبب . انتهى .قلت : هذا الذي قاله ولي الدين هو الحق . والله تعالى أعلم . (2) قوله : ((ولا ادخار قوت عام)) عطف على ((اكتساب)) يعني أن التوكل لا ينافي أيضا ادخار الإنسان قوت سنة , فقد كان صلى الله عليه وسلم يدخر قوت عياله سنة , كما في ((الصحيحين)) , وهو سيد المتوكلين . @ والخلف في أخذ وترك نقلا ورجحوا أخذ الملا دون الخلا(3) . وأشار بقوله :((والكفاف إلخ)) إلى أنه اختلف في الغنى والفقر أيهما أفضل , فقيل : الفقر مع الصبر أفضل , للحديث الصحيح : ((يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم , وهو خمسمائة سنة)).وقيل : الغنى مع الشكر أفضل , لحديث : ((ذهب أهل الدثور بالأجور ..)) , وحديث : ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) , وحديث مسلم : ((نعم المال الصالح للرجل الصالح)) . وذهب آخرون إلى تفضيل الكفاف لحديث مسلم : ((قد أفلح من أسلم , ورزق كفافا , وقنعه الله بما رزقه )) , وحديثه أيضا((اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا)), وإلى هذا القول ذهب ابن بطال , والقرطبي , والنووي , وقال الناظم في ((شرحه)): هو المختار . وفسره النووي بأنه الكفاية بلا زيادة ولا نقصان . وفسره القرطبي : بأنه ما يكف عن الحاجات , ويدفع الضرورات , ولا يلحق بأهل الترفهات . قال : وهي حالة سليمة من الغنى المطغي , والفقر المؤلم . وقوله : ((أفضل من فقر إلخ)) . وفي نسخة : أفضل من فقر ومن غنى مواف (3) أشار بهذا البيت إلى أنه اختلف أيضا فيمن عرض عليه مال , هل الأفضل أخذه , أو تركه ؟ فقيل : الأخذ أفضل , بل قال الظاهرية بوجوبه , لحديث الشيخين , عن عمر رضي الله عنه مرفوعا : ((ما جاءك من هذا المال , وأنت غير سائل , ولا مستشرف , فخذه , وما لا فلا تتبعه نفسك )). وقيل : الترك أفضل , وقيل : الأحسن الأخذ في الملأ , والترك في الخلاء , قاله الغزالي . @ وليس من زهادة تغرب وترك محتاج له ترهب(4) والعلم خير من صلاة النافله فقد غدا الله برزق كافله(5) والمرء محتاج إلى أن يعرفا فرق أمور في افتراقها خفا واختار الناظم تفضيل الأخذ للمحتاج , والترك لغيره . قلت : وعندي القول الأول أرجح , لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ بشرطين : عدم السؤال , وعدم استشراف النفس , وإلا فلا يأخذه , إلا للضرورة . والله تعالى أعلم . (4)أشار بهذا البيت إلى أنه ليس من الزهد التغرب من الوطن والأهل والمال ,وترك ما لا بد منه , بل ذلك من التنطع , والتعمق المنهي عنه . وقوله : ((ترهب)) خبر لمحذوف , أي هذا ترهب , والترهب ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم. (5) أشار بهذا البيت إلى ما نقل عن الإمام الشافعي رحمه الله , أنه قال : العلم أفضل من صلاة النافلة . ووجهه أنه فرض عين , أو كفاية , والفرض أفضل من النفل , وأنه متعد وسائر العبادات قاصرة , والمتعدي أفضل من القاصر , وأنه أس العمل , والعمل بدونه فاسد . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ...)) , أخرجه الترمذي , وقال : حديث حسن صحيح . وأشار بقوله : ((فقد غدا إلخ)) إلى ما روي:(( من طلب العلم تكفل الله برزقه)) , لكن الحديث لا يصح , بل قيل : بوضعه . فقوله : ((برزق)) متعلق ب ((كافله)) , وهو خبر ((غدا)) , لأنها بمعنى ((صار)) ترفع الاسم وتنصب الخبر . @ 1460 كالفرق بين العجز والتوكل والحب لله ومعه المنجلي(6) . (6) أشار بهذين البيتين إلى أن الشيء الواحد يكون بصورة واحدة , وينقسم إلى محمود ومذموم , فيحتاج سالك طريق الآخرة إلى معرفة الفرق بينهما , فذكر من ذلك أمثلة[1]:(فمنها): التوكل والعجز , فالتوكل عمل القلب , وعبوديته , اعتمادا على الله , وثقة به , والتجاء إليه , وتفويضا إليه لعلمه بكفايته , وحسن اختياره لعبده إذا فوض إليه , مع قيامه بالأسباب المأمور بها , واجتهاده في تحصيلها . والعجز تعطيل الأمرين , أو أحدهما , إما أن يعطل السبب عجزا عنه , ويزعم ذلك توكلا وإنما هو عجز وتفريط , وإما أن يقوم بالسبب ناظرا إليه , معتمدا عليه, غافلا عن المسبب , معرضا عنه , وإن خطر بباله لم يثبت معه ذلك الخاطر , ولم يعلق قلبه تعلقا تاما بحيث يكون قلبه مع الله , وبدنه مع السبب . (ومنها): الحب لله , والحب مع الله , فالأول عين الإيمان , والثاني عين الشرك , والفرق بينهما أن الحب لله تابع لمحبة الله , فإذا تمكنت محبته من قلب العبد أوجبت أن يحب ما يحبه الله , ويبغض ما يبغضه الله , وعلامة ذلك أن لا ينقلب حبه لحبيب الله بغضا لنيله منه ما يكرهه ,ولا بغضه لبغيضه حبا لإحسانه إليه , وفيه حديث أبي داود وغيره : ((الحب لله والبغض لله من الإيمان))(2) . والحب مع الله أن يحب غيره , كحب المشركين لأوثانهم , وهذا قادح في الإيمان لكونه إشراكا مع الله تعالى . وأما محبة ما زين للنفوس , من النساء , والبنين , والأموال , فإن كان حبه لها للاستعانة بها على طاعة الله كانت من القسم الأول , وإن كانت مقصودة له بحيث . (1) هذه الفروق ذكرها الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في آخر كتابه((الروح)) وتكلم فيها , وأشبع القول بما لا تجده عند غيره , فراجعه من ص 369-427 . (2) حديث صحيح , أخرجه أبو داود , من حديث أبي أمامة رضي الله عنه , بلفظ : ((من أحب لله , وأبغض لله , وأى لله , ومنع لله , فقد استكمل الإيمان)).@ والنصح والتأنيب والفراسة والظن والدعوة والرياسة(7) يقدمها على مرضاة الله , ويضيع بسببها حق الل. ه كان ظالما نفسه , ومتبعا لهواه , وربما يؤديه إلى الخروج من الملة , فيكون من القسم الثاني . قوله : ((المنجلي)) أي المتضح الفرق , إذ الأول عين الإيمان , والثاني الشرك. (7) أي (ومنها) : النصح والتأنيب: (فالأول) : المقصود منه الإحسان إلى المنصوح بصورة الرحمة والشفقة , والغيرة له وعليه , صادرا عن رحمة ورقة , مرادا بها وجه لله ورضاه , والإحسان إلى خلقه , وفيه حديث مسلم : ((الدين النصيحة)) , قالوا : لمن يارسول الله ؟ قال : ((لله , ولكتابه , ولرسوله , ولأئمة المسلمين وعامتهم )).(والثاني) : القصد منه التعيير , والإهانة , والذم , والشتم , في صورة النصح . (ومنها) : الفراسة , والظن, (فالفراسة) : نور يقذفه الله في القلب , فيخطر له الشيء , فيكون كما خطر له , وينفذ إلى العين , فترى ما لا يراه غيرها , وهي لا تخطئ , لأنها ناشئة عن نور القلب , لقربه من الله , وبعده عن الموانع والعوائق , وفيه حديث : ((اتقوا فراسة المؤمن , فإنه ينظر بنور الله)) , أخرجه الترمذي , وغيره , لكنه ضعيف . (والظن) : قد يخطئ , لأنه قد يكون مع نور القلب وظلمته , وطهارته ونجاسته , ولذا أمر الله تعالى باجتناب كثير منه , فقال : {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم} الآية (سورة الحجرات آية : 12) , وقال صلى الله عليه وسلم :((إياكم والظن , فإن الظن أكذب الحديث)) متفق عليه . (ومنها) : حب الدعوة إلى الله , وحب الرياسة , والفرق بينهما , أن ما يشتركان فيه من الأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر , ونشر العلم إن كان لقصد @ وقوة في أمر دين والعلو والاجتهاد في اتباع والغلو(8) والذل والعفو وتيه وشرف والحقد والوجد وجود وسرف(9) . تعظيم الله , والنصح له , ومحبة طاعته , وهداية خلقه , والغيرة على الدين , فهو حب الدعوة إلى الله , والإمامة في الهدى التي قال الله تعالى فيها :{واجعلنا للمتقين إماما } (سورة الفرقان آية : 74) , وإن كان لقصد أن يكون في أعين الناس جليلا , وفي قلوبهم مهيبا , وإليهم حبيبا , وفيهم مطاعا , يقتدون به , ويتبعون أثره , فهو حب الرياسة , وفيه حديث : ((من تعلم علما مما يبتغى فيه وجه الله , لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد رائحة الجنة)) , حديث صحيح أخرجه أحمد , وأبو داود , وغيرهما .(8) أي (ومنها) : القوة في أمر الله , والعلو في الأرض , والفرق بينهما كالفرق بين حب الدعوة , وحب الرياسة , فالأول أن يقصد تعيم أوامره , وحقوقه حتى يقيمها لله , والثاني أن يقصد تعظيم نفسه , وتفرده بالرياسة ونفاذ الكلمة , حتى لو عارضه أمر من أوامر الله ما التفت إليه في طلب علوه . (ومنها) : الاجتهاد في الدين , والغلو فيه .فالأول : بذل الجهد في موافقة الأمر , والثاني : مجاوزته الحد وتعديه . (9) أي (ومنها) : العفو , والذل , فالأول إسقاط حق جودا وكرما مع القدرة على الانتقام منه , وفيه حديث مسلم : ((وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا)) . والثاني : ترك الانتقام عجزا وخوفا ومهابة , وهذا مذموم . (ومنها) : شرف النفس , والتيه (فالأول) : صيانتها عن الدنايا والمطامع التي تقطع أعناق الرجال .(والثاني) : يرجع إلى الإعجاب بنفسه , والإزراء بغيره , والأول داخل في حديث : ((لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه , يتعرض للبلاء لما لا يطيق)) , حديث صحيح أخرجه الترمذي وغيره . (ومنها) : الموجدة , والحقد . @ والكبر والهيبة والمهانة تواضع والكبر والصيانة(10) . (فالأول) : الإحساس بالمؤلم , والعلم به , وتحرك النفس في رفعه , فهو كمال , وسريع الزوال . (والثاني): إضمار الشر , وتوقعه كل وقت , وهو بطيء الزوال . (ومنها) : الجود والشرف . (فالأول) بذل ما ينبغي بذله لا لغرض(*). (الثاني): تجاوز الحد في كل فعل , لكنه أشهر في الإنفاق , فتارة يكون بالقدر , وتارة بالكيفية , ولهذا قال الثوري : ما أنفقت في غير طاعة الله سرف , وإن قل (**). فالجواد حكيم يضع العطاء مواضعه , والمسرف مبذر , وقد يصادف عطاؤه موضعه , وكثيرا لا يصادفه . (10) أي (ومنها): المهابة والكبر . (فالأول) : حسن سمت , وسكينة حلت على الظاهر لامتلاء الباطن بعظمة الله , ومحبته , وإجلاله. (والثاني) : ناشئ من العجب , والبغي , وامتلاء القلب بالجهل والظلمة . (ومنها) : التواضع والمهانة . (فالأول): ناشئ من العلم بالله , ومعرفة صفاته , ونعوت جلاله , ومن معرفة العبد نفسه , ونقائصها , وعيوب عمله , وآفاتها , فيتولد منه انكسار القلب لله , وخفض جناح الذل لعباده , فلا يرى له على أحد فضلا , ولا يرى له عند أحد حقا , وفي هذا حديث : ((إن الله إوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد , ولا يبغي أحد على أحد )) , رواه مسلم .(*) أفاده في ((التوقيف على مهمات التعريفات)) ونقلته بتصرف (ص 258) . (**) راجع ((التوقيف))(ص403) .@ 1465 والاحتراز مع سوء الظن وهكذا الرجاء والتمني(11) . والثاني): دناءة وخسة , وابتذال النفس في نيل حظوظها وشهواتها , وإذلالها لأبناء الدنيا لما يرومه منهم من إحسان , أو قضار وطر . (ومنها) : الصيانة والتكبر : فالأول أن يصون قلبه عن التلوث بآثار الذنوب , فيحترس من الخلق ويبتعد من مخالطتهم مخافة أن يحصل لقلبه ما يتلوث به , كما يبتعد صاحب الثوب الجديد من مخالطة الدباغين والذباحين ونحوهم , بخلاف صاحب التكبر فإنه وإن شابه هذا في التحرز والتجنب فهو يقصد أن يعلو رقاب الناس , ويجعلهم تحت قدمه , فهذا لون , وهذا لون آخر . فقوله : ((الكبر)) أراد به التكبر , فلا تكرار مع سابقه . والله تعالى أعلم .(11) أي (ومنها): الاحتراز, وسوء الظن . (فالأول) : التأهب والاستعداد بأخذ الأسباب التي ينجو بها من المكروه . (والثاني) : امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس حتى يطفح(*) على لسانه بالهمز , واللمز, والطعن , والعيب , فالأول يخالطهم , ويتحرز منهم , والثاني يجتنبهم , ويلحقهم أذاه . وفيه حديث : ((المؤمن الذي يخالط الناس , ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس , ولا يصبر على أذاهم )) , حديث صحيح أخرجه أحمد وغيره . (ومنها): الرجاء , والتمني . (فالأول) : يكون مع بذل الجهد , واستفراغ الطاقة في الإتيان بأسباب الظفر والفوز . (والثاني): حديث النفس بذلك مع تعطيل الأسباب الموصلة إليه , وفيه حديث:((والعاجز من أتبع نفسه هواها , وتمنى على الله الأماني)) , أخرجه أحمد وغيره , لكنه ضعيف .(*) يقال : طفح الإناء , كمنع طفحا , وطفوحا : امتلأ , وارتفع . ا ه ((القاموس)).@ ورقة وجزع والقسوة والصبر مع هدية والرشوة(12) وذكره للحال والشكاية وبله في القلب والسلامة(13) . (12) أي (ومنها) : الرقة والجزع , فالأول : ناشئ عن الرحمة والرأفة , والثاني : ناشئ عن ضعف النفس ,وخور القلب لضعف إيمانه بالقدر , وشدة طمعه وحرصة . (ومنها): الصبر والقسوة. (فالأول): حبس النفس عن الجزع والهلع , والتشكي , وتثبيت القلب على الأحكام القدرية والشرعية . (والثاني): غلظ في القلب يمنعه بالنوازل , فلا يتأثر بها لغلظه , وقسوته , لا لصبره واحتماله. (ومنها): الهدية , والرشوة . (فالأول): لقصد استجلاب المودة ,وفيها حديث : ((تهادوا تحابوا)) حديث حسن . (والثانية): لقصد إبطال الحق , وتحقيق الباطل , وفيها حديث : ((لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم )) , حديث صحيح , أخرجه أحمد والترمذي , والحاكم .(13) أي (ومنها): الإخبار بالحال , والشكوى . (فالأول): لقصد إزالته ممن يقدر عليه , والاعتذار من أمر طلب منه , أو التحذير من الوقوع في مثل ما وقع فيه , أو الحمل على الصبر بالتأسي به , كما قالت عائشة رضي الله عنها : وا رأساه , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((وأنا وا رأساه...)) أخرجه البخاري . (والثاني) : الإخبار العاري عن القصد الصحيح , بل يكون مصدره @ . وثقة وغرة والشكر بذكر ما يمنحه والفخر(14) وكل أمر واقع بإذنه سبحانه خالق كسب عبده . السخط , وشكاية المبتلي إلى غيره . (ومنها): سلامة القلب , والبله , فالأول يكون من إرادة الشر بعد معرفته ,فسلم قلبه من إرادته وقصده . والثاني : جهل , وقلة معرفة , وهو نقص . وفي ((المصباح)): بله بلها . من باب تعب : ضعف عقله . انتهى.(14) أي (ومنها) : الثقة , والغرة . (فالأول): سكون يستند إلى أدلة , وأمارات يسكن القلب إليها , فكلما قويت تلك الأمارات قويت الثقة , واستحكمت , لا سيما كثرة التجارب , وصدق الفراسة . (والثاني): أمل خائب , وتمن كاذب , حدثت به النفس والهوى ,والشيطان من غير أخذ في أسباب النجاة , وهو قريب من الفرق بين الرجاء والتمني . (ومنها): التحدث بالنعم شكرا , والفخر بها . (فالأول): القصد به إظهار فضل الله , وإحسانه , ومدحه , والثناء عليه , وبعث النفس على الطلب منه دون غيره على رجائه , فيكون داعيا إلى الله بذلك . (والثاني): القصد به الاستطالة على الناس , وإظهار أنه أعز منهم , وأكبر , واستعباد قلوبهم , واستمالتها بالتعظيم والمحبة . قال الناظم رحمه الله تعالى : وهذا الباب واسع جدا , وفي هذه النبذة كفاية , وإرشاد . انتهى . قوله :((وغرة)) بكسر الغين المعجمة , والراء المهملة : الغفلة , ووقع في @ قدر فيه قدرة للكسب لا إبداعه تصلح فالله علا خالق لا مكتسب ما يصنع وعبده مكتسب لا مبدع(15) 1470 وتم ما نظمته ميسرا نظما[1] بديعا موجزا محررا في عامة سبعة وسبعين التي بعد ثمانمائة للهجرة(16). نسخة : ((العزة)) بالعين المهملة , والزاي المعجمة , وهو تصحيف . وقوله : ((يمنحه)) بالبناء للمجهول , أي يعطاه . والله تعالى أعلم . (15) يعني أن كل أمر واقع في الوجود من خير وشر , فبقدرة الله وإرادته , كما تقدم في مسألة القدر , والعبد يثاب ويعاقب على كسبه باختياره .قال الإمام أحمد رحمه الله : إن للعبد كسبا دل على ذلك القرآن , فإنه تعالى نسب الخلق إلى نفسه , فقال : {والله خلقكم وما تعملون} (سورة الصافات آية : 96), ونسب الكسب للعبد , فقال : {جزاء بما كانوا يكسبون} (سورة التوبة آية : 95) , ففعل العبد مخلوق لله , مكتسب للعبد بقدرة خلقها الله له , تصلح للكسب , لا للإبداع , فالله خالق , غير مكتسب , والعبد مكتسب , غير خالق , وهذا توسط بين قول المعتزلة : إن العبد خالق لفعله , لأنه يثاب , ويعاقب عليه , وبين قول الجبرية : إنه لا فعل للعبد أصلا , وإنه آلة محضة , كالسكين في يد القاطع . قوله : ((للكسب)) تعلق ب ((تصلح)). وقوله: ((لا إبداعه)) بالجر عطفا على ((الكسب)).وقوله:((فالله)) مبتدأ , خبره ((خالق)) , وهو مضاف إلى قوله : ((ما يصنع)) , وفصل بينهما بقوله : ((لا مكتسب)) للضرورة . والله تعالى أعلم . (16) هذا هو الذي في نسخة شرح الناظم , والنسخة المطبوعة , ووقع في بعض النسخ المخطوطة : ((في عام تسعة وتسعين التي )) , فليحرر. [1] وفي نسخة ((سهلا)). @ أرجوزة فريدة في أهلها إذ لم يكن في فنها كمثلها(17) 1475 حوت من الأصلين والتصوف ما لا مزيد عنه في الجمع الوفي خلت من التعقيد والتقعير والحشو والتطويل والتكرير(18) في ألف بيت عدها يقينا وأربع المئين مع خمسينا[1] بحيث أني جازم بأن لا يمكن الاختصار منها أصلا ولو يروم أحد ينشيها أتى بها أكثر من ضعفيها 1480 فأحمد الله على ما سهلا حمدا ينيل من مزاياه العلا مصليا على نبي عمت مكارم الخلق به وتمت(19). (17) الفريدة فعلية بمعنى فاعلة , أي منفردة عند أهل هذا الفن , لأنه لم ينظم مثلها في الفن . (18) التعقيد أن لا يكون اللفظ ظاهر الدلالة على المعنى المراد لخلل في النظم , بأن لا يكون ترتيب الألفاظ على وفق ترتيب المعاني بسبب تقديم , أو تأخير , أو حذف . قاله في ((التوقيف على مهمات التعريف)).و((التقعير)) التعميق , والتقعير في الكلام التشدق فيه , والتقعر التعمق , وقعر الرجل : إذا روى , فنظر فيما يغمض من الرأي حتى يستخرجه . قاله في ((اللسان)). و((الحشو)) في اللغة ما تملأ به الوسادة , وفي الاصطلاح عبارة عن الزائدة الذي لا طائل تحته . و((التطويل)): أن يزاد اللفظ على أصل المراد , وقيل : هو الزائد على أصل المراد بلا فائدة . ((والتكرير)) عبارة عن الإتيان بالشيء مرة بعد مرة . أفاده في ((التعريفات الجرجانية)). (19) قوله : ((يروم)) أي يقصد , وقوله : ((مكارم الخلق إلخ)) بضم الخاء .[1] لعل هذا العدد بحسب الأصل , وإلا فإنها تزيد نحو خمسة وعشرين بيتا . والله تعالى أعلم. @ المعجمة وسكون اللام مخفف خلق بضمتين , وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف , وأشار به إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)) , حديث صحيح , أخرجه أحمد , وغيره . وفيه براعة الاختتام , وهو أن يأتي الشاعر , أو المتكلم في آخر كلامه بما يدل على انتهاء مقصودة.اللهم صلي على محمد , وعلى آل محمد , كما صليت على آل إبراهيم , إنك حميد مجيد , اللهم بارك على محمد , وعلى آل محمد , كما باركت على آل إبراهيم , إنك حميد مجيد . السلام على النبي ورحمة الله وبركاته . {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين } (سورة الصافات آية : 180-181-182). ((سبحانك اللهم وبحمدك , لا إله إلا أنت , أستغفرك , وأتوب إليك )). قال الجامع الفقير إلى رحمة ربه القدير , خويدم العلم في بلد الله الحرام محمد ابن العلامة علي بن آدم بن موسى الإتيوبي الولوي : انتهيت من كتابة هذا الشرح المختصر الملخص من شرح الناظم وغيره على((الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع)) للحافظ الجامع بين فنون الرواية والدراية , جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي رحمه الله تعالى المتوفى سنة(911 ه) انتهيت منه ليلة الأحد المبارك 13/7/1417 ه - الموافق 24 نوفمبر عام 1996 م . @
ناپیژندل شوی مخ