بقوله تعالى ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ حيث أورد فيه صيغة المبالغة ولا يتصور المبالغة إلا بزيادة في الكم أو الكيف، أما الثاني فلم يثبت شرعًا ولا هو معقول فوجب المصير إلى الأول ويتحقق إما بزيادة في المرات أو بزيادة في المغسول ولا سبيل إلى الأول لقوله ﷺ «من نقص عن هذا أو زاد فقد تعمدى وظلم» أو كما قال، فلم يبق إلا الزيادة في مقدار المغسول ولا شيء وراء الجسم يغسل في الغسل حتى يتحقق مقتضى المبالغة فقلنا بوجوب المضمضة والاستنشاق معًا في الغسل حتى يغسل فيه ما هو داخل في الوجه من وجه وخارج منه من وجه ولا كذلك في الوضوء فإن الوارد فيه الغسل مطلقًا فيتحقق بأدنى ما تناوله، ثم إن الظاهر المبني على العادة كون مثل هذه الأمور واجبًا لا سنة فإن الثابت بخبر الواحد يكون واجبًا إلا أنهم لم يذهبوا إلى الوجوب لثبوت وجود هذه الأمور تارة والترك أخرى مع أن الواجب ما ورد على تركه ثم إن المراد (١) بالانتثار والاستنشاق كليهما واحد وهو إدخال الماء في الأنف ثم إخراجه وإن كان المذكور أحدهما وإنما اقتصر على ذكر أحدهما لما فيهما من الملازمة فإن الاستنشاق لا يكون إلا للانتشار وكذا الانتشار لا يكون إلا بعد الاستنشاق، وللاتسجمار ثلاثة معان كلها تصح ههنا لكن الأول أولى وأليق ههنا من الباقيين، والثاني من الثالث، الأول طلب الجمرة لتنقية موضع الغائط، والثاني تجمير الأكفان، والثالث رمي الجمار في الحج.
[باب المضمضة والاستنشاق من كف واحد]
هذا جائز عندنا أيضًا وغير مستحب عند الشافعي (٢) رحمه الله تعالى فلا وجه لبيان الاختلاف فيه بيننا
_________
(١) أي المقصود والمطلوب في الشرع مجموع الأمرين وإلا فباعتبار اللغة مختلفان كما يظهر من آخر الكلام ففي اللغة الاستنشاق إدخال الماء في الأنف والاستنثار إخراج ما في الأنف من الماء وغيره.
(٢) يعني على ما حكاه الإمام الترمذي بنفسه وإلا ففي العيني والنووي وغيرهما أن للشافعية في ذلك خمسة أوجه واختلف نص الإمام الشافعي أيضًا في ذلك فنص الأم والمزني أن الجمع أفضل ونص البويطي أن الفصل أفضل وهذا هو الذي نقله الترمذي عن الإمام الشافعي.
1 / 61