متبرز يستره من القبلة وهو المراد بالكنيف المبني وإن لم يكن ستر في الجهة التي رقى منها ابن عمر، ثم الجواب عنه قد سبق ولا يبعد أن يقال أيضًا إن ابن عمر لم يتبين إليه النظر ولم يحقق الأمر لما أن النظر في مثل ذلك ينصرف ولا يستقر حتى يظهر الواقع، وأيضًا ففي تلك الواقعة كان تبرزه ﷺ في موضع محاط لئلا يلزم تعريه في فضاء مع ورود النهي عن ولئلا يلزم خلاف ما اخترتم من الاستقبال في الكنيف المبني، فإذا كان كذلك احتمل أن يكون النبي ﷺ جلس غير مستقبلها إلا أنه لما أحس بقعقعة (١) ابن عمر صرف بصره إليه وأدار رأسه وعنقه فقط كما هو العادة إذا تبدى له آخر في موضع خال فظن أنه مستقبل ولم يكن الأمر بل نشأ الاستقبال لهذا العارض.
[قوله من حدثكم إلخ] أرادت نفي اعتياده لذلك وكونه دأبًا له فلا ينافيه ما سيأتي لبنائه على العذر والأعذار مستثناة فلا حاجة إلى الجواب عنه بأنها لم تبلغها رواية البول قائمًا وكان بوله قيامًا لعلة بمأبضه كما روى أو تحصيل الستر الغير الحاصل إلا به أو عدم موضع صالح للجلوس إما لوجود النجاسات هناك أو لخوف أن يرتد البول إليه لارتفاع الموضع وعدم قراره إلى غير ذلك من الوجوه وعلى هذا فلا يخالف هذا ما ورد من النهي عن البول قائمًا.
ثم إن في [قوله أتى سباطة قوم فبال] إجازة الاستمتاع بملك الغير إذا علم رضاه بذلك وأنه لا يستضر به ولا يكرهه فإن بوله ﷺ وسائر فضلاته وإن كانت طاهرات على ما هو صحيح (٢) غير أنه لم يكن يعامل بها في العادة إلا معاملة
_________
(١) قال المجد القعقعة حكاية صوت السلاح وصريف الأسنان لشدة وقعها في الأكل وتحريك الشيء اليابس الصلب مع صوت والذهاب في الأرض وصوت الرعد، انتهى.
(٢) قال ابن عابدين: صحح بعض الشافعية طهارة بوله ﷺ وسائر فضلاته وبه قال أبو حنيفة كما نقله في المواهب اللدنية عن العيني، وصرح به البيري في شرح الأشياء، وقال الجاحظ ابن حجر: تظافرت الأدلة على ذلك وعد الأئمة ذلك من خصائصه ﷺ، انتهى.
1 / 43