ما يتبادر إليه الذهن. ويجول في الخاطر، أو تقع إليه الحاجة من أخبار جامعيها، وتراجم حياتهم، وأخبار أساتذتهم وشيوخهم، وشروطهم والتزاماتهم في هذه الكتب، وخصائصها، وما يمتاز به بعضها عن بعض، والمقارنة بينها، وفضل بعضها على بعض، ومذاهبهم في اختيار الروايات، وترجيحها وتركها. وقبول الرواة وردهم، وحكمهم على الأحاديث المروية، والفوائد التي استخرجوها منها، والأحكام التي استنبطوها، إن كان هنالك هذا الصنف من الكلام، وهذا الجانب من الفقه. وسمت همة الشراح ودقة فهومهم، فاقتصوا في ذلك الأوابد، وشقوا فيه الشعرة، وكثرت الشروح والتعليقات، واشتدت العناية بتدريسها ونشرها وروايتها، والإجازة فيها حتى أصبحت تلي كتاب الله في تلقي الأمة لها، والعناية بها، ولنظرة عجلى في الكتب التي ألفت في تاريخ العلوم، وفي تاريخ علوم الحديث خاصة، وفي الكتب التي ألفت في أسامي العلوم والفنون والكتب، ومقدمات الشروح الكبيرة لهذه الكتب الستة. تكفي للاطلاع على ضخامة هذه الثروة، واتساع هذه المكتبة الحديثية، ومدى عناية الأمة وشغفها بحديث نبيها ﷺ بصفة عامة، وبالصحاح الستة بصفة خاصة.
ولجامع الإمام أبي عيسى الترمذي مكانة خاصة في هذه الصحاح التي تلقتها الأمة بالقبول، وأجمعت على علو درجتها، فإنه قد استفاد بما سبق إليها أستاذاه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، والإمام مسلم بن الحجاج القشيري بالتأليف. وبذل الجهد في جمع الصحاح، وكل ما سبق تأليفه في هذا الشأن، وشق له طريقة خاصة من بين أئمة الحديث، والذين صنفوا في هذا الموضوع، وهكذا كل من جاء بعد السابقين الأولين، ورزق ملكة التصنيف وقوة الاجتهاد والإبداع، والاقتدار على الصناعة، وقوة التصرف فيها، ونضج علمه ونبغ عقله بالتقدم في السن، وبطول الممارسة للصناعة، وطول الصحبة لأئمة هذا الفن، وحبه ووفائه لهم، والاعتراف لهم بالسبق والفضل، وتواضعه وزهده في الدنيا، وتجرده من الأغراض، وطول دعائه وابتهاله إلى الله.
1 / 2