82

============================================================

وخرج إلى بلاد الشام بعد ما فتحت، وهو خليفة، فأتوا مخاضة فنزل عن ناقته، وجعل خفيه على عاتقه، وأخذ بزمامها، فخاض، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين، تفعل هذا؟1 ما يسرني ان أهل الشام استشرفوك (1). فقال: أؤه، لو يقول ذا غيرك ابا عبيدة جعلته نكالا(2) للأمة؛ إنا كتا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا به أذلنا .

ونظر إلى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بالدؤة وقال : لا تمث علينا ديننا أماتك الله .

وكان يتعاهذ العميان والزفنى والعجائز والصبيان ليلا ، ويحمل إليهم الماء والحطب بنفسه، ويخرج عنهم الأذى، فيقول له بعض الناس: دعني أحمل عنك . فيقول: من يحمل عني يوم القيامة ذنوبي؟ .

وكان فانيا عن الملاذ منتهيا، ولباقي المعاد مبتغيا، يلازم المشقات، ويفارق الشهوات، وقد قيل: التصوف: حمل التفس على الشدائد للري من أشرف الموارد.

وكان يأكل عام الرمادة الزيت حتى اسود جلده بعد ما كان أبيض، وحوم على نفسه اللحم والشمن واللبن، وقال : كفى بالمرء سرف(3) أن يأكل كل ما يشتهي وقال: إياك والبطنة، فإنها ثقل في الحياة ونتن في الممات .

وكان يشتهي الشيء وثمنه درهم فيؤخره سنة.

وكان إذا مر بمزبلة وقف عليها، وقال لصحبه: هذه دنياكم التي تحرصون عليها.

وأتي يوما بماء بارد بعسل، فجعل يدير الإناء في كفه، ويقول: أشربها، (1) استشرفوك: آي خرجوا إلى لقائك. وإنما قال له ذلك لأن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام ما تزيا بزي الأمراء، فخشي أن لا يستعظموه . النهاية (شرف) .

(2) جعلته نكالا: عاقبته عقابا يحذر غيره منه إذا رآه. متن اللغة (نكل).

(3) في الأصل: شرفا.

مخ ۸۲