تبتلعين اللعاب المر في حلقك، تبلغين الخامسة والأربعين من عمرك بعد يومين، يرن الرقم في أذنيك مرعبا، يسمونه سن اليأس، يكبرك بثلاثين عاما ويبتلع الفياجرا دون يأس، تزوجك وأنت في الثامنة عشرة، تحلمين بالغلام من عمرك، المولود معك في يوم واحد عام الهزيمة.
تفرضين العزلة على نفسك وراء الحجاب، والرجال في كل مكان، في الشوارع والباصات ونوافذ الجيران، وفي أحلامك يتنافسون عليك، يجذبهم إليك التأجج في عينيك المكحلتين، والنداء المكبوت بين شفتيك الحمراوين، تضغطين عليهما بإصبع الروچ قبل أن تخرجي من البيت، تمرين بالفرشاة فوق خديك، وظلال خفيفة فوق جفنيك، وقطرات العطر ترشينها تحت إبطيك.
تسيرين بخطوة بطيئة مثل الوزيرات، يرتج جسمك المربع فوق كعبك العالي، تشدين عضلات ظهرك وعنقك، فوق رأسك يدور التيربون بإحكام، لا تفلت شعرة واحدة للعيان، كل شيء مباح لك إلا ظهور هذه الشعرة أمام عيون الرجال.
تتأهبين لحضور الاجتماع الهام، ترتدين التايير الجديد من الصوف الإنجليزي، لونه أزرق سماوي، منقوش عليه ورود حمراء، انجذبت إليه عيناك وأنت تسيرين في شارع ريجنت، حين حضرت مؤتمر الأديان منذ عامين في أكسفورد، تحتفظين به معلقا داخل الدولاب، ملفوفا بالنايلون الشفاف، لا يخرج إلى النور إلا في المناسبات، ترشقين فوق صدرك البروش الذهبي بالفص الألماظ، تثبتين بالدبابيس حبات اللؤلؤ حول التيربون، وبعض جواهر قليلة حول العنق والمعصمين.
تهبطين السلالم الرخامية في الفيلا الجديدة، تسمعين صوت كعبك الرفيع يدق الأرض، تنظرين إلى ساعتك الذهبية بحركة متوترة، تخافين التأخير عن الوصول في الموعد، تتحسسين الدعوة داخل الحقيبة تحت إبطك، منقوش عليها اسمك الثلاثي ولقبك الوزاري ومنصبك العالي في المجلس المنتخب والمعين بقرار واحد.
يفتح لك السائق باب سيارتك الطويلة السوداء، نوافذها محكمة الإغلاق، لا ينفذ منها ضجيج أو تراب، زجاجها داكن اللون لا يكشف الداخل، ويبقى الخارج مكشوفا أمام عينيك، تشعرين بلذة الرؤية دون أن يراك أحد، مثل الوزراء والسفراء والملوك والرؤساء، ممن يركبون السيارات الشبح السوداء.
من وراء الزجاج الأسود ترين الأشباح تمشي في الضباب، وجوههم شاحبة ممصوصة أو مترهلة بالشحم، عيونهم نصف مغلقة فيما يشبه الغيبوبة، والجدران العالية تتغطى بالإعلانات، أجساد نساء عارية يركبن فوق السيارات، في أيديهن المسدسات، بين شفاههن سيجارة دانهيل.
منذ الزواج أصابك الزهد في كل شيء؛ الجنس وقصص الحب وقزقزة اللب في السينما، يمتد بك الزهد إلى الصمت عن الكلام، لا يبقى أمامك من ملذات الدنيا إلا الأكل والنهم للشراء، لكن ملذات الآخرة هي الأبقى، تشرئب عيناك في الحلم إلى القصر في الجنة، وأباريق الفضة يطوف بها الغلمان، تنجذب عيناك إلى الغلام من عمرك، يحوم طيفه حول سريرك طول الليل، تحاولين طرده بقراءة آية الكرسي، تطرد الجان والشياطين إلا هذا الغلام من عمرك.
تتوقف سيارتك عند حجاز الأمن، يحوطه الحراس وعيون السلطة والبصاصون من وراء النظارات السوداء، تقفين في الطابور الطويل ضمن ثلاثمائة آخرين، تندهشين لهذا العدد الكبير من المدعويين، تصورت أن النخبة هي القلة، فإذا بهم كثيرون، يحمل كل منهم لقب المفكر الكبير، يصلون قبل الموعد بساعتين، يرتدون البدل المكوية من الصوف المستورد، تتهدل عضلات سيقانهم تحت البنطال المشدود، حول أعناقهم تدور الربطة المعقودة بإحكام، شعر رءوسهم مصبوغ بلون أسود فاقع، عيونهم المتغضنة وجفونهم المتورمة تكشف عمرهم الحقيقي، تلمع أنوفهم بنشوة الفياجرا، يسيرون بخطى وئيدة بطيئة، وأمام الباب يتقافزون على الدخول كالتلاميذ المتنافسين.
والباب صغير ضيق يشبه أبواب السجون، لا يسمح بدخول الجسم والرأس مرفوع، لا يتسع لدخول الفرد الواحد إلا بالجنب، وأنت واقفة في مؤخرة الطابور، تصورت أنك أول الواصلين فإذا بك آخرهم، تسبقك النخبة دائما إلى حيث تذهبين، يلتقطون قبلك رائحة السلطة حيثما تكون، بحكم الموروث منذ عصر العبيد، وخريطة الجينوم الذكوري المدرب عبر القرون.
ناپیژندل شوی مخ