وتنطوي كلمة «رجل الشارع» على القيم السائدة التي تجعل النشاط السياسي خارج البيت أو في الشارع السياسي هو من نصيب الرجال فقط؛ لأن كلمة «امرأة الشارع» تعني «المومس» أو «البغي»، وليس للمرأة نشاطا سياسيا أو ثقافيا خارج بيتها، وكأنما المرأة لا تخرج إلى الشارع إلا لممارسة الجنس، وهو مفهوم قاصر على النساء الفقيرات أو الجواري أو الإماء اللائي كن يخرجن إلى العمل لتوفير الخبز والطعام لأطفالهن، ويفرض عليهم المجتمع الطبقي الأبوي المهن السفلى، ومنها الخدمة في البيوت، وتلبية حاجات الرجال الجنسية في بيوت البغاء.
كان العمل خارج البيت مهينا للمرأة، فهو لا يعني أنها فقيرة، وبلا رجل يوفر لها الحماية والمأوى، لكن حركة النساء التحريرية في الغرب والشرق قد غيرت هذا المفهوم، وأصبح لعمل المرأة خارج البيت قيمة إنسانية لا تقل كثيرا عن قيمة عمل الرجل، كما خرجت النساء إلى الشوارع في المظاهرات الشعبية والنسائية، ولم يعد الشارع مكان المومسات فحسب.
نزلت المرأة إلى الشارع دون أن تفقد احترامها، وبدأت الفلسفة أيضا تنزل إلى الشارع دون أن تفقد احترامها.
لم يعد التفكير مهنة يمارسها قلة محظوظة من المفكرين أو الفلاسفة، وبدأت القيم الطبقية الأبوية تتساقط مع مشاركة الجماهير من النساء والرجال في الأنشطة السياسية والثقافية، وبدأت الفواصل بين الرجل والمرأة تتلاشى، ومعها تتلاشى الفواصل بين الجسد والروح وغيرها من الثنائيات الموروثة منذ العبودية.
وهناك محاولات لقمع هذه الحركات السياسية والفكرية الجديدة، فالأجهزة القمعية البوليسية لا تقل شراسة وعنفا عن الأجهزة العسكرية في العالم غربا وشرقا، ربما تختلف درجة القمع أو نوعه من بلد إلى بلد، أو يكون مستترا مثل القمع النفسي الذي يمارس على النساء الثائرات، ويقود المرأة منهن إلى الانتحار، أو المستشفى النفسي وليس السجن.
وقد كشفت الحركات النسائية والشعبية الجديدة عن زيف القيم السياسية والأخلاقية للنظام الرأسمالي الأبوي، على رأسها ما سمي بالديمقراطية الليبرالية، التي صورها المفكرون في الغرب من أمثال فرانسيس فوكاياما على أنها أفضل الأساليب لتنظيم المجتمعات الإنسانية، وأنها تقود العالم إلى الحرية والعدالة والسلام والحب.
لقد اتضح خلال القرن العشرين الماضي أن هذه الديمقراطية الليبرالية لا تقود العالم إلا إلى الحروب والعنف والإرهاب، وأنها لا تستند على المشاركة الفعلية الشعبية للنساء والرجال الفقراء؛ بل على التصويت في انتخابات شكلية خاضعة لأصحاب الأموال والقوى الطبقية الذكورية في المجتمع الرأسمالي.
وثبت لنا، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر وحرب البترول والأفيون الدائرة في أفغانستان، أن الحضارة الغربية التي أعطت نفسها اسم الديمقراطية الليبرالية هي في جوهرها حضارة طبقية أبوية، ولن تؤدي إلى السلام القائم على العدل، وإلى الحرية السياسية والاقتصادية لأغلب قطاعات الشعب، ولا إلى مشاركة الشعب الفعلية في الانتخابات.
وقد عشت الشهور الثلاثة التي تلت أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وشهدت كيف تراجعت هذه الديمقراطية الليبرالية لتفرض القيود على الشعب الأمريكي تحت اسم الأمن، كيف اجتمع جورج بوش بالمسئولين الكبار في أجهزة الإعلام، وطلب منهم فرض الرقابة على ما ينشر ويذاع على الشعب الأمريكي، كيف تنكرت الحضارة الأمريكية للمبادئ الديمقراطية الليبرالية التي تشدقت بها منذ القرن قبل الماضي، كيف شرعت الحكومة الأمريكية الاعتقال دون دليل لمجرد وجود شبهات؟ كيف زجت في السجون أبرياء من الرجال والنساء من دون تحقيق، وتقديمهم للمحاكمة السرية أمام المحكمة العسكرية دون أن يكون لهم حق الدفاع القانوني؟ كيف لجأت إلى تكنولوجيا التعذيب الجسمي والعقلي والنفسي للمسجونين والمسجونات للحصول على المعلومات؟ وهذا يؤكد أن هذه الديمقراطية الليبرالية هشة ومزيفة، ولا تختلف كثيرا عن الفاشية ونظم الحكم الشمولية والدكتاتورية العربية وغيرها، ولا غرابة في ذلك ، فهي قائمة على الظلم والازدواجية، أساسها القيم الرأسمالية الطبقية الأبوية الموروثة عن العبودية.
كشفت الحركات النسائية والشعبية الجديدة في الغرب والشرق أن العالم في حاجة إلى فلسفة إنسانية تقضي على القيم الطبقية الأبوية، وتبني قيما إنسانية جديدة قائمة على العدل والسلام والحب، وإلغاء جميع الثنائيات والتقسيمات بين البشر.
ناپیژندل شوی مخ