290

هذه الحركات الشعبية الجديدة في طريقها إلى النمو واكتساب مزيد من القوة والوعي والتنظيم كلما تكشفت مخاطر هذه الحضارة الرأسمالية الأبوية، وقد اكتسبت هذه الحركات الشعبية اسما جديدا هو «العولمة من أسفل» أو العولمة من قاعدة الهرم، لمقاومة العولمة الرأسمالية الاستعمارية القابعة فوق قمة الهرم، والتي تملك الأسلحة النووية والشركات التجارية الكبرى المملوكة لقلة قليلة من الأفراد يمثلون الطبقات الحاكمة غربا وشرقا.

إن ثروة أغنى ثلاثة عائلات في العالم تزيد عن دخل 600 مليون شخص، ومن أجل حماية هذه القلة الثرية ينفق العالم سنويا 700 بليون دولار على الحرب والتسليح، وهي تساوي أربعين ضعفا لما ينفق على الصحة أو التعليم أو توفير الماء النقي.

تعتمد الفلسفة الطبقية الأبوية منذ العبودية على ما يسمى المساعدة أو المعونة للفقراء والمعدمين واليتامى والمساكين، تحت اسم الرحمة أو الشفقة، وهي كلمات تضليلية توحي بالإنسانية، وهي في حقيقتها كلمات تزيد من إذلال الفقراء، فاليد العليا خير من اليد السفلى، وهي كلمات مضللة أيضا لأنها توحي للفقراء أنهم يعيشون من فضل الأثرياء ومن كرمهم ومن خيرهم، أو على حسابهم، في حين أن العكس هو الصحيح؛ ذلك أن ثراء الأغنياء ليس له مصدر إلا العمل المنتج الذي يقوم به النساء والرجال الفقراء في الحقول والمصانع وغيرها من مؤسسات العمل في مختلف بلاد العالم، وهو عمل يكاد يشبه السخرة لانخفاض الأجر بالنسبة للجهد الذي يبذل فيه والإنتاج الذي يصدر عنه.

وتقوم النساء في العالم بالإنتاج الزراعي والصناعي والخدمات بما يزيد عن 65٪ من العمل المنتج، مع ذلك لا يحصلن إلا على 5٪ فقط من دخل العالم، مما يفرض عليهن أن يعشن عالة على الرجال داخل الأسرة، على حين أن الحقيقة غير ذلك؛ لأن إنتاج النساء داخل البيوت وخارجها أكثر من إنتاج الرجال، لكن أغلب الأعمال النسائية غير مدفوعة الأجر.

وقد بدأت الحركات النسائية في مختلف البلاد غربا وشرقا تكشف هذه الحقيقة، كما بدأ فقراء العالم في البلاد التي أطلق عليها البلاد الفقيرة (فيما سمي العالم الثالث)، تكشف عن زيف الحقائق التي تروجها الحكومات الرأسمالية الاستعمارية، على رأسها أن فقراء العالم الثالث يعيش عالة على العالم الأول كما تعيش المرأة عالة على الرجل، لكن الحقيقة غير ذلك، وهي أن موارد العالم الثالث قد نهبت بواسطة الاستعمار القديم والجديد، وأن هذه المعونة أو القروض تعود بالفائدة على القوى المسيطرة دوليا ومحليا، ولا يصل إلا الفتات للمعدمين المساكين.

لهذا بدأت الشعوب في العالم الثالث، أو ما سمي الجنوب، ترفض هذه المعونات والقروض، فهي تستنزف الكرامة والموارد المادية تحت اسم تسديد فوائد الديون، وارتفع شعار «عدالة التجارة وليس المعونة

Fair Trade and not Aid »، وتزايدت المظاهرات الشعبية لإلغاء ديون العالم الثالث، وفي المظاهرات النسائية العالمية في 8 مارس عام 2000 ارتفع شعار يقول: كيف نقارن ديون العالم الثالث بخمسة قرون من النهب الاستعماري وقتل الشعوب في الحروب؟

وقد أصبحت مظاهرات النساء المتكررة كل عام في اليوم العالمي للمرأة (8 مارس ) من أهم المظاهرات الشعبية، يشارك فيها النساء من مختلف بلاد العالم، وهي جزء من الحركة الشعبية العالمية التي تضرب في جذور النظام الرأسمالي الأبوي في الغرب والشرق، وتكشف عن الترابط الوثيق بين القهر الطبقي والجنسي منذ التاريخ العبودي القديم وحتى اليوم.

ويلعب الإعلام الاستعماري العالمي دورا في تضخيم حجم المعونات إلى الشعوب الفقيرة تحت اسم المساعدات الإنسانية

Humanitarian Aid ، من أجل التمويه على ما يحدث من قتل وتدمير لهذه الشعوب ذاتها، ألم نر تلك العربات اللوريمجلة نيوزويك، العدد السنوي فوق الشاشة التي كانت تحمل المعونة الأمريكية وزكائب الدقيق إلى الشعب الأفغاني، في الوقت الذي كانت تسقط فيه القنابل من الطائرات الأمريكية على هذا الشعب ذاته، وقد شهدنا هذه الصورة نفسها منذ أعوام قليلة في حرب الصومال، والحروب الاستعمارية الأخرى في بلاد مختلفة من العالم.

ناپیژندل شوی مخ