286

وقد سألت المفكر المصري الشهير (الذي ينشر صورته ومقاله الطويل أسبوعيا) عن رأيه في قضية طفل نزف حتى الموت بعد عملية الختان، ورأيه في قضية طفلة قتلها أهلها لأنها خلعت الحجاب، ورأيه في قضية حبس أو محاكمة كاتب لأنه مس الذات العليا، ورأيه في قضية استيلاء أحد رجال السلطة في قريتي على قطعة أرض صغيرة تملكها إحدى الفلاحات، ورمقني المفكر الكبير وهو يمط شفتيه إلى الأمام معلنا أنه لا ينشغل بهذه القضايا الصغيرة لأنه مشغول بالقضايا الكبرى، على رأسها العولمة، وتذكرت «أرسطو» حين ذهب إليه أحد الفلاحين يشكو أحد رجال السلطة في اليونان لأنه استولى دون حق على قطعة أرض صغيرة كان يملكها ويزرعها لإطعام أطفاله، صرفه أرسطو قائلا إنه مشغول بالكرة الأرضية كلها، وليس قطعة أرض صغيرة.

لقد استطاع أرسطو منذ القرن الرابع قبل ميلاد المسيح أن يدخل قهر المرأة ووضعها الأدنى في الفلسفة والقانون، حين أعلن أن المرأة لا تساهم في صنع الجنين إلا بمادة خام غير حية (وعاء الرحم) أما الرجل فهو وحده الذي يمنح الحياة للطفل.

هكذا أصبح الحق القانوني للأب فقط، أصبح اسم الأب هو الذي يعطي للأطفال الحياة والشرف والشرعية والجنسية والدين، وضاع حق الأم تماما، واندثر اسمها وفكرها وجهودها في التاريخ القديم والحديث حتى يومنا هذا.

لقد ضربت الحركات النسائية شرقا وغربا التي حاولت التصدي للعبودية والقيم الطبقية الأبوية المدعمة لها، وتم تحطيم فلسفة «نوت» المصرية التي سبقت الفلسفة العبودية ومنحت الإنسان امرأة ورجلا واجبات وحقوق متساوية في الأسرة والمجتمع.

وقد انهارت هذه الفلسفة الإنسانية مع نشوء النظام الأبوي الطبقي، وفقدان مصر استقلالها الفكري والاقتصادي تحت غزوات الاستعمار القديم والجديد، ولم تكف النساء المصريات عن المقاومة حتى اليوم، ولم يكتف الفلاحون الأجراء عن المقاومة حتى اليوم، وقد عبرت بعض الأغاني الشعبية المصرية القديمة عن قهر الفلاحات والفلاحين تحت نير السلطة المحلية والأجنبية، ومنها هذه الأغنية:

أهو قدرنا المفروض علينا

أن نحمل فوق ظهورنا طوال اليوم

الشعير والقمح الأبيض

لا تزال المخازن مكدسة بتلال الغلة

ولسوف نحمل الزكائب إلى الأبد

ناپیژندل شوی مخ