رغم خطأ الفصل بين الحقوق المدنية والحقوق السياسية إلا أنها ذات أهمية بالغة في المرحلة الحالية؛ لأنها يمكن أن تتيح للمدنيين من الرجال والنساء فرض تنظيم أنفسهم داخل الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويمكنها - رغم القيود الحالية - أن تغلب دورها السياسي وتقلل من احتكار السلطة بواسطة رجال الحكم والأحزاب والساسة ورجال الصحافة والإعلام.
وربما تستطيع أيضا في بعض البلاد العربية المتقدمة نسبيا، والتي تسمح بتعدد الأحزاب أن تغير طبيعة هذه الأحزاب ونظام الحكم والبرلمان، وبالتالي تحقيق الديمقراطية عن طريق المشاركة الأوسع لجميع فئات الشعب من القاعدة إلى القمة. (7) علاقة الثقافة العربية بالحقوق المدنية والسياسية
لا يمكن للإنسان أن يمارس حقوقه دون أن تكون له إرادة قوية واعية بهذه الحقوق والمسئوليات، وقدرة على تحقيقها من خلال حركته الفردية والجماعية داخل المؤسسات التي يعمل فيها أو ينظمها مع غيره من الناس.
لكن هذه البديهية غائبة تماما أو مغيبة في المؤسسات الثقافية والتعليمية الرسمية، وفي الأحزاب السياسية أيضا حتى المتقدمة منها الواعية بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للناس، فإن الثقافة ظلت بعيدة، منفصلة وهامشية.
وقد أدت الحقوق السياسية دون الحقوق المدنية والثقافية الحقيقية إلى ديمقراطية شكلية، أبعدت أغلبية الرجال والنساء عن المشاركة الحقيقية في السياسة أو الحكم أو الثقافة أو غيرها.
وأفرزت هذه الديمقراطية الشكلية في بلادنا رجالا أقل ثقافة وأقل ذكاء على الدوام؛ بسبب انشغالهم الدائم في الصراع حول السلطة ولعبة السياسة والانتخابات، لكنهم كانوا دائما أكثر قدرة من غيرهم على الصعود إلى مقاعد الحكم ومراكز السلطة وصنع القرار، بسبب قدرتهم الاقتصادية ونفوذهم الاجتماعي والسياسي الناتج عن سوء توزيع السلطة والثروة في البلاد.
وترتبط مشكلة الثقافة في بلادنا العربية بمشكلة السلطة الحاكمة المستبدة غير المؤمنة بالحرية أو الديمقراطية الحقيقية، والتي تعتبر الثقافة والإعلام من شئونها الخاصة تفرض من خلالها أفكارها على الناس.
وهكذا تنتشر القيم الأبوية الطبقة، الإقطاعية، أو القبلية، أو الرأسمالية، أو الاشتراكية القائمة على الدكتاتورية، أو التسلط البيروقراطي أو التستر تحت شعارات دينية لفرض الطاعة لأولي الأمر، والولاء للملك أو الحاكم، ووضع الحجاب على العقول والرءوس واعتبار المعارض للسلطة خارجا على القانون أو مسيئا للوطن، وفرض سيطرة الرجل داخل الأسرة على النساء والأبناء والبنات. (8) الحقوق الدينية ومشكلة التربية
تتعاون السلطة المطلقة في الدولة مع السلطة المطلقة للرجل داخل العائلة على قتل أي مبادرة أو نشاط، أو حقوق للملايين من النساء والرجال والشباب.
ويعتبر النظام الطبقي الأبوي وما يفرزه من قيم وأفكار داخل الأسرة وخارجها معاديا للحقوق المدنية للنساء والشباب والأطفال؛ لأنه يصادر حرياتهم، ويخضعهم لسلطة الفرد الواحد أو الرأي الواحد في الدولة، ولسلطة الأب المطلقة في البيت أو الزوج، ويغرس فيهم منذ الطفولة مفهوم مركزية القرار والطاعة والخوف من الجدل، وبالتالي يقضي على بذور الحرية أو الديمقراطية، ويقتل فكرة الحقوق المدنية في مهدها، فلا يمكن لمن تربى على الطاعة والخوف أن يمارس الجدل والشجاعة بقرار إداري.
ناپیژندل شوی مخ