230

لا شك أن دماء الأطفال والنساء والشباب المهدرة على أرض فلسطين تستوجب العمل الجاد والمقاومة الفعلية، وتجميع القوى العربية وغير العربية ضد الاعتداء الإسرائيلي العسكري وغير العسكري، أصبحت هذه المقاومة ضرورية لحياتنا نحن وليس فقط من أجل فلسطين، إن الزحف الإسرائيلي والأمريكي لن يترك بلدا واحدا مستقلا، ولكن إن فاقد الشيء لا يعطيه، وإصلاح البيت من الداخل لا ينفصل عن إصلاحه من الخارج، والدفاع عن الدم المهدر في الداخل، فالدم هو الدم بصرف النظر عن المكان، والطفلة الفقيرة في القرية المجهولة بالصعيد لها حقوق الإنسان مثل ابنة الملك أو الرئيس في أي دولة من الدول الكبرى أو الصغرى.

أصبحت أتابع صفحات الحوادث اليومية في الصحف أكثر من أخبار النجوم والملوك والرؤساء، فهي تكشف المآسي التي يعيشها المهمشون في الأرض، عن قاع المجتمع حيث تعاني البنات الفقيرات، اللائي يتعرضن للموت سرا دون أن ينطق أحد، بسبب حساسية ما نسميه الشرف، وهو ليس الشرف الحقيقي النابع من العدل والصدق، بل الازدواجية الأخلاقية على المستوى العائلي والمستوى الدولي في آن واحد، الازدواجية التي تجعل القوة فوق الحق، القوة الغاشمة التي تقتل تحت اسم الدفاع عن أمر الله أو الأرض الموعودة، بمثل ما تقتل تحت اسم الشرف، أليس الشرف المزيف مثل الأرض الموعودة وشعارها الديني المزيف؟

قال أبي وأنا طفلة في السابعة من العمر: من السهل أن نركب موجة الغضب مع الجميع، لكن من الصعب أن نغضب ضد الظلم حين يصمت الجميع، إنه أمر صعب، لكني احترمت نفسي حين خيرتها بين السهل والصعب فاختارت الصعب.

1 نوفمبر 2001

عن جورج بوش وتوني بلير

منذ أوائل سبتمبر 2001 وأنا أعيش في «نيويورك» وجارتها القريبة منها «نيو جيرسي»، شاهدت أحداث 11 سبتمبر 2001 عن قرب شديد، وسقوط مركز التجارة العالمي في نيويورك ، وعشت مع الشعب الأمريكي الأكاذيب التي تروجها وسائل الإعلام الأمريكية وتوابعها في الشرق والغرب، ولا أحد هنا يعرف الحقيقة، فهي غامضة شديدة الغموض، تكاد تشبه الأساطير الواردة في الكتب القديمة، وفي مجال «السياسة» كما في مجال «الدين» و«الجنس» تتناقض التفسيرات، وتتضارب الأقاويل، شأن كل «المحرمات» الأخرى في العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.

والحياة في نيويورك متناقضة مثل الحياة في القاهرة أو أي مدينة كبيرة في العالم، مظاهر الفقر والبطالة تزداد، تبدو شوارع نيويورك في الأحياء الفقيرة شبيهة بشوارع بولاق والسيدة زينب وشبرا، ولا شك أن البعد عن الوطن والأهل يزيد من الشوق والحنين، ويطمس الشوق والحنين كل ما هو «غير جميل» في الذاكرة الإرادية أو غير الإرادية. يبدو لي نهر «النيل» أكثر جمالا وإشراقا من نهر «هدسون» الذي يفصل نيويورك عن نيو جيرسي، يحمل نهر «هدسون» اسم المستعمر البريطاني الذي غزا أمريكا الشمالية وأباد سكانها الأصليين الذين أطلق عليهم اسم الهنود الحمر.

يغرق تاريخ أمريكا الشمالية في الدم كغيرها من بلاد العالم منذ نشوء العبودية، أو النظام الطبقي الأبوي، ينسى الكثيرون هذه الحقيقة، ويفصلون بين الغرب والشرق، أو بين العالم الأول والثاني والثالث، والحقيقة أننا نعيش في عالم واحد يحكمه نظام واحد، وقيم طبقية أبوية واحدة رغم اختلافات الثقافات والعقائد والأديان.

وفي نيويورك اتسعت الهوة بين الفقراء والأغنياء كما يحدث في جميع بلاد العالم الرأسمالي وتوابعه في الشرق والغرب، واتسعت الهوة بين ما يطلق عليهم «أهل الخير الذين يخشون الله على رأسهم جورج بوش وتوني بلير، أهل الشر أتباع الشيطان على رأسهم أسامة بن لادن وصدام حسين.»

رأيت توني بلير وجها لوجه في مصر حين عدت إلى الوطن في عطلة رأس السنة الجديدة، خلال تجوله في معبد سانت كاترينا في نهاية عام 2001 وبداية عام 2002، كان ينحني أمام سانت كاترينا ويقبل رأسها بعد أن يمسحها القسيس المصري بقطعة من القطن المبللة بالسبرتو الأبيض، حتى لا تنتقل العدوى إلى فم توني بلير من الأفواه الأخرى التي تتنافس على تقبيل رأس سانت كاترينا قبل شروق شمس العام الجديد.

ناپیژندل شوی مخ