مع بداية القرن الواحد والعشرين يتحلى النظام العالمي الجديد بكلمات جديدة براقة، يتخفى وراءها أشكال جديدة من الاستغلال والاستعباد للفقراء في العالم وللنساء أيضا.
أصبحت كلمة العولمة من الكلمات الغامضة الساحرة للكثير من المثقفين في الغرب والشرق أو الشمال والجنوب، إلا أن نتائجها على شعوب العالم ليست إلا مزيدا من الكوارث والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والحروب الدينية والطائفية المشتعلة في كل بلاد العالم اليوم، وكم من النساء والشباب والأطفال يسقطون قتلى الفتن العقائدية والتي تتخفى وراءها المصالح المادية.
أضعف شرائح المجتمع هم أول الضحايا، وهم النساء والفقراء من جميع الطبقات والفئات والألوان، زادت الهوة مع مزيد من العولمة بين الذين يملكون والذين لا يملكون، وبين الجنس المؤنث والجنس المذكر الذي له السيادة في الدولة والعائلة في ظل النظام العالمي الجديد كما كان في ظل النظام العالمي القديم، لا يختلف النظام الجديد عن القديم إلا في التفاصيل والجزئيات، لكن الجوهر واحد، فهو جوهر النظام الطبقي الأبوي؛ يعني ذلك أن قلة من الأفراد تشكل «الطبقة الحاكمة» تسيطر على مصائر الملايين وأرواحهم وأرزاقهم وأمنهم وأمن أولادهم وبناتهم، هذه القلة القليلة من الأفراد في كل بلد من العالم تملك المال والسلاح والإعلام، الثالوث الذي ترتكز عليه السلطة الدولية أو المحلية، الثالوث الذي تبطش به على الأغلبية البشرية المفروض عليها الفقر والصمت ونزع السلاح.
يمكن لمن يدرس التاريخ أن يكتشف الترابط بين السلطة والجنس منذ نشوء العصر العبودي، منذ انقسام المجتمع إلى أسياد وعبيد وإلى نساء ورجال.
في مصر القديمة كانت «نوث» هي الإلهة الأم، إلهة السماء، زوجها «جيب» كان إله الأرض، وكانت الأم هي التي تعطي اسمها لأطفالها، لم تكن الأبوة معروفة، كان الرجال يتصورون أن الجنين يتكون في بطن الأم بقدرة خارقة غامضة سماوية، ثم بدأ العقل البشري يكتشف شيئا فشيئا علم البيولوجي وعلم الأمبريولوجي «الأجنة» وبدأ الرجل يعرف دوره في عملية الإخصاب، ثم بدأ يكتشف «الأبوة».
لم يعد يأكل أطفاله أو يغتصبهم كما كان يفعل من قبل، ولم يعد يؤمن أن النساء يحملن بسبب أرواح تهبط إليهن من السماء.
انعكست هذه الفكرة البدائية في الأساطير القديمة، وكم قرأنا هذه الحكايات عن الأبطال الشجعان الذين ولدتهم أمهاتهم بعد أن نفخت الآلهة المقدسة في أرحامهن، ويصبح المولود مقدسا، وإن كانت المولودة أنثى أصبحت قديسة أيضا تنضم إلى زمرة الإلهات المعبودات.
إلا أن المجتمعات البشرية كانت في تحول دائم وصراع دائم للاستيلاء على السلطة والمال والأرض. ظهر الصراع في التاريخ بين الآلهة الذكور والإلهات الإناث؛ يكشف التاريخ القديم عن معارك طويلة بين الإلهة المصرية إزيس وأعدائها من خارج البلاد وداخلها، استمرت هذه المعارك الضارية تحاول هدم فلسفة إيزيس في مصر (وغيرها من البلاد في الغرب والشرق) حتى عام 394 ميلادية حين جاء الإمبراطور تيودور وحطم تماثيل إزيس ومعابدها في الإمبراطورية الرومانية، وفي مصر ظل أتباع إيزيس وكهنتها يقاومون حتى آخر معبد من معابدها في جزيرة فيلة.
كيف تحولت نوث إلهة السماء وإيزيس إلهة الحكمة ومعات إلهة العدل إلى حواء رمز الخطيئة في التوراة؟! لقد ارتبط هذا التحول بانتصار النظام العبودي، أو ما يطلق عليه اليوم النظام الطبقي الأبوي، والذي جعل «القوة» هي التي تحكم، وليس العدل، وليس المنطق.
أصبح الإله الذكر في التوراة لا يلد إلا الأبناء الذكور، تقول الآية في الإصحاح السادس (التكوين):
ناپیژندل شوی مخ