153

وفي المجال الثقافي والفني هل يمكن لأحد أن يحسب خسارة مصر منذ بداية العلاقات المصرية الأمريكية عام 1974 وحتى اليوم؟

ويتساءل أحد النخبة المثقفة في صحيفة حكومية كبيرة عن سبب تدهور الأفلام المصرية، وهو بالطبع لا يربط بين ركود الثقافة في بلادنا وركود الاقتصاد، وكان أحد المدافعين منذ 1975 عن العلاقات المصرية الأمريكية وعن الانفتاح الساداتي ، ثم به يسبق الآخرين في الأزمة الأخيرة للتنديد بالعلاقات المصرية الأمريكية، وكيف غزت الأفلام الرديئة السوق المصرية، حتى الأفلام المنتجة في مصر أصبحت مثل الأفلام الأمريكية المنحطة، القائمة على الجنس والجريمة والإضحاك الرخيص السطحي القائم على النكت السوقية، والخالي من أي موضوع اجتماعي مفيد.

بل أن مشكلة تزايد الفقر والبطالة هي النتيجة المنطقية للسياسة الاقتصادية منذ 1974، فقد أصبح الجميع يكتبون عنها دون إرجاعها لأسبابها الحقيقة، وكأنما تزايد الفقر والبطالة ظاهرة منفصلة في التاريخ عن أسبابها في الماضي.

كأنما هذا الماضي مقدس، ولا يجوز لأحد أن يذكره أو ينقده؛ لأنه ينقد شخصية مقدسة عند البعض، السادات مثلا أو بعض أعوانه الكبار الذين يمتلكون كثيرا من النفوذ حتى اليوم.

لكن النقد ضروري للماضي، لأن الحاضر يبنى على الماضي، والمستقبل يبنى على الحاضر ولا يمكن الفصل بينها الثلاثة، إن النقد لا يعني الانشقاق والحرب أو عدم التضامن من إنقاذ بلادنا من الركود الاقتصادي والثقافي والفكري، ومن الخضوع للشروط الأمريكية والإسرائيلية المجحفة.

إن الوحدة الوطنية مطلوبة، لكن النقد البناء أيضا مطلوب، ولا بد أيضا من كشف المنافقين في كل عهد حتى لا تتكرر الأخطاء وندور في تلك الحلقة المفرغة، ولا تكاد تعرف من المسئول عن هذا الخطأ أو ذاك، ويختلط الحابل بالنابل كما هو حالنا اليوم. (2) عن تاريخ الفدائيين عام 1952

دهشت حين قرأت مقال سعد زغلول فؤاد في جريدة الأهرام 12 أغسطس 2000 ص10، تحت عنوان: سراج الدين والكفاح الشعبي المسلح، فهو يسوق لنا معلومات مغلوطة عن العمل الفدائي ضد الإنجليز في التل الكبير ومدن القنال قبل حريق القاهرة 26 يناير 1952، ولأنني عشت هذه الفترة وعاصرت كتائب الطلبة الفدائيين في كلية الطب خلال 1951، 1952، وانعكست مأساة الفدائيين على حياتي الشخصية، إذ إن زوجي الأول الدكتور أحمد حلمي، والذي كان زميلا لي في كلية الطب، قد تطوع في كتائب الفدائيين، وسافر إلى الحرب في القنال في تلك الفترة التي شجعت فيها حكومة الوفد الشباب على الكفاح المسلح ضد الإنجليز في منطقة القنال، لقد قتل من الفدائيين في هذه الحرب أكثر من مائتي فدائي (كما ذكرت التقارير التي نشرت عام 1981، بعد ثلاثين عاما من الأحداث) ومن هؤلاء زميلي في كلية الطب أحمد المنسي، وفدائي آخر اسمه عباس الأعسر وآخرين.

لقد مات الدكتور أحمد حلمي ليس في الحرب أو أثناء المعارك التي نجا منها بأعجوبة، وإنما مات أحمد حلمي نفسيا (قبل أن يموت جسديا) بسبب تخلي الحكومة المصرية عن الفدائيين في القنال بعد حريق القاهرة، أصبح الفدائيون يواجهون الجيش البريطاني وحدهم، وكان من الممكن سحقهم جميعا لولا قدرتهم النضالية بأقل الأسلحة، ولولا حماية أهل القنال لهم وتدعيمهم بالمؤن والسلاح.

من هنا ندرك أن مقال سعد زغلول فؤاد في الأهرام لم يقل الحقيقة؛ لأنه أغفل ما حدث في الواقع، ربما أراد بالمقال أن يرفع فؤاد سراج الدين إلى البطل الوطني العظيم بمناسبة وفاته، وكما هي عادة المصريين من تقديس الموتى، وذكر محاسنهم فقط، ولا أحد ينكر أن حكومة الوفد، ومنها سراج الدين كان لها مواقف وطنية مهمة في تلك الفترة بعد إلغاء معاهدة 1936، ولكن لا يمكن أيضا أن ننكر تعاون حكومة الوفد مع السراي والإنجليز ضد مصالح الشعب المصري، وتخاذلها، بل وضربها العمل الفدائي الذي كانت تشجعه، هذا التناقض معروف عند جميع الحكومات، وليس حكومات الوفد فقط.

لكن ما حدث للفدائيين في القنال في شتاء 1952 كان خطيرا، ولم يحاول أحد أن يراجع التاريخ بحيث نعرف من المسئولين عن مأساة العمل الفدائي، واختفاء أسماء المقاتلين الحقيقيين الذين قتلوا جسديا أو نفسيا، واندثرت أسماؤهم في التاريخ، على حين برزت أسماء أخرى أصبحوا هم أبطال العمل الفدائي، ومنهم وزير الداخلية فؤاد سراج الدين وأسماء أخرى كبيرة في السلطة شملت أنور السادات ووجيه أباظة، وأيضا بعض ضباط البوليس السياسي الذين أرسلتهم الحكومة ليكونوا ضمن الفدائيين كعيون للحكومة.

ناپیژندل شوی مخ