واقتبس أنوار الحكم من مشارقه، وعض عليه أنياب حرصك عضًا ولا تفضه على من كان غليظ القلب فضًا، واتخذه وأخاه جليسين لوحدتك وأنيسين لوحشتك وموجبين لسلوتك وصاحبين في خلوتك ورفيقين في سفرك، ونديمين في حضرتك، فإنهما جاران باران، وسميران ساران، وأستاذان خاضعان ومعلمان متواضعان، لا بل هما حديقتان تفتحت ورودهما وخريدتان توردت خدودهما وغانيتان لا بستان حلل جمالهما؛ مائستان في برود جلالهما فصنهما عن غير طالبهما ولا تبذلهما إلا لخاطبهما
فمن منح الجهال علمًا أضاعه ... ومن منع المستوجبين فقد ظلم
وجوه في إياك نعبد
ذكر المفسرون في قوله تعالى
" إياك نعبد وإياك نستعين " وجوهًا عديدة للإتيان بنون الجمع والمقام مقام الإنكسار والمتكلم واحد، ومن جيد تلك الوجوه ما أورده الإمام الرازي في تفسيره الكبير وحاصله: إنه قد ورد في الشريعة المطهرة أن من باع أجناسًا مختلفة صفقة واحدة، ثم خرج بعضها معيبًا فالمشتري مخير بين رد الجميع وإمساكه وليس له تبعيض الصفقة برد المعيب وإبقاء السليم وهيهنا حيث يرى العابد أن عبادته ناقصة معيبة لم يعرضها وحدها على حضرة ذي الجلال بل ضم إليها عبادة جميع العابدين: من الأنبياء والأولياء والصلحاء وعرض الكل صفقة واحدة راجيًا قبول عبادته في الضمن لأن الجميع لا يرد البتة؟ ﴿إذ بعضه مقبول ورد المعيب وإبقاء السليم تبعيض للصفقة وقد نهى سبحانه عباده عنه؟ فكيف يليق بكرمه العظيم فلم يبق إلا قبول الجميع وفيه المراد.
عن بعض أصحاب الحال: إنه كان يقول يومًا لأصحابه لو أني خيرت بين دخول الجنة وبين صلاة ركعتين لاخترت صلاة ركعتين؟ فقيل له وكيف ذلك قال: لأني في الجنة مشغول بحظي وفي الركعتين مشغول بحق وليي وأين ذاك عن هذا؟﴾ .
في الإحياء رأى بعضهم الشبلي في المنام فسأله ما فعل الله بك فقال: ناقشني حجتي يئست فلما رأى يأسي تغمدني برحمته.
ورأى بعضهم بعض أصحاب الكمال في المنام فسأله عن حاله فأنشد:
حاسبونا فدققوا ثم منوا فأعتقوا ... هكذا شيمة الملوك بالمماليك يرفقوا
نظر عبد الملك بن مروان عند موته في قصره إلى قصار يضرب بالثوب المغسلة، فقال: يا ليتني كنت قصارًا، لم أتقلد الخلافة فبلغ كلامه أبا حازم. فقال
1 / 4