304

کاشف امین

الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين

ژانرونه

علوم القرآن

وفي معنى الآية المذكورة وأصرح منها في الدلالة على العدل والتوحيد قوله تعالى: {قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا } [فاطر:40]، فرتب سبحانه وتعالى الدلالة في هذه الآية على نمط استدلال المتكلمين في تقديم الدليل العقلي على السمعي، وقدم الأقرب إليهم وإلى قطع شغبهم فقال تعالى: {أروني ماذا خلقوا من الأرض {، لما كانت الأرض وما فيها أقرب إليهم، وأتى بما العامة لما يعقل وما لا يعقل ليتناول جميع المخلوقات ثم قال: {من الأرض{ ولم يقل في الأرض، ليفيد أن تلك الأصنام وغيرها مما ادعي إلهيته لم تخلق شيئا لا في الأرض ولا من الأرض، ولم يجعل الكلام في ذلك مبنيا على مجرد الدعوى بل جعل معه دليله القاطع على صدقه بأن تحداهم وأرشدهم إلى الدليل النافع فقال: {أروني ماذا خلقوا{ فلما لم يروه شيئا لا في الأرض ولا من الأرض مخلوقا لآلهتهم نقل الكلام في الحجاج إلى الأبعد عنهم وهو العالم العلوي فقال: {أم لهم شرك في السماوات{ أي أم هل لهم مشاركة في أحوال السماوات من إنزال الأمطار منها وتسيير الشمس والقمر والنجوم والبروج والأفلاك؟ ولما لم يكن شيء مما ذكر من الدلالة العقلية يكون لهم متمسكا أرخى لهم العنان على ما هي القاعدة في المحاججة، فانتقل معهم إلى المطالبة بما معهم من الدلالة السمعية إن كان معهم شيء منها فقال: {أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه{، ولما كانت الأدلة السمعية من حيث هي بين محكم ومتشابه وظاهر ومتأول وصريح واقتضاء وغير ذلك من أقسام الدلالة المذكورة في مواضعها بالغ معهم في إرخاء العنان، وقال {فهم على بينة{ وذكر البينة ليعم أي بينة كانت من الدلالات المعتبرة في الخطاب، ووصف البينة بأنها منه -أي من الكتاب- ليشير إلى أنه لا اعتماد على كلام غيره تعالى التي يزخرفها بعضهم لبعض، ثم ختم الآية بهذا المعنى صراحة فقال {بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا {، فسبحان الله ما أبلغ حجج الله وأجل معاني كلام الله، ومثل هذه الآية قوله تعالى: {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين } [الأحقاف:4].

فإن قلت: قد وضحت الدلالة من هاتين الآيتين على التوحيد، فمن أين دلالتهما على العدل وإن لم نكن بصدده لكن قد ادعيت في أول الكلام عليهما دلالتهما على العدل مع التوحيد فبين تمام مدعاك على ذلك، لأن تلك التوجيهات التي ذكرت لا مدخل لها في العدل، لأنه يصح من القائلين بخلق الأفعال أخذهم دلالتها على التوحيد كما ذكرت؟.

مخ ۳۳۶