کاشف امین
الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين
ژانرونه
وأما إلزام المجبرة: فقد ظهر مما مر حسبما نقله أهل المقالات عن النصارى، فيلزمهم أن لا يكون تعالى واحدا بل ثالث ثلاثة بل سابع سبعة أو ثامن ثمانية حيث أثبتوا الكلام المعبر عنه عند النصارى بالكلمة، وأثبتوا العلم والقدرة والحياة المعبر عنهما عند النصارى بروح القدس، واثبتوا الإرادة والكراهة فهذه ستة معاني اتفقت عليها جميع المجبرة، ومنهم من زاد الوجود وجعله صفة زائدة على ذات الباري تعالى واتفقوا على قدمها مع الله تعالى، فكان بهذه المثابة سابع سبعة أو ثامن ثمانية سيما مع جعلهم كل واحدة من هذا الستة أو السبعة معنى ليس هو الأخر فيتحقق التعداد حينئذ، لكنهم يفرون عن هذا بأن يقولوا: ولا غيره، ويحكى عن النصارى أنهم يقولون في تلك الأقانيم: أنها ليست بمستقلة بنفسها ولا يصح انفراد بعضها عن بعض، وهو بنفسه عين مذهب المجبرة في تلك المعاني، قال القرشي رحمه الله ما لفظه: يزيده وضوحا أنه لم يقل أحد من الناس إن لله تعالى ثانيا يشاركه في جميع المشاركة، وإنما يقولون بالمشاركة في كونهما واجبي الوجود، والمجبرة إما أن يجعلوا هذه المعاني جائزة الوجود فيلزم حدوثها لأن هذا هو دليلهم على حدوث العالم، وإما أن يجعلوها واجبة الوجود من ذاتها وهو مذهب الثنوية، وإما أن يجعلوها واجبة الوجود من غيرها وهو مذهب الفلاسفة في العقول والأفلاك. قال رحمه الله تعالى: ومتى قيل: إن الثنوية اعتقدوا استحقاق الثاني للعبادة؟ قلنا: ليس كذلك يعني كلهم، فإن المجوس لا يعبدون إهرمن، وكذلك سائر الثنوية لا يعبدون الظلمة، وكذلك الفلاسفة لا يقولون باستحقاق العقول والأفلاك للعبادة، وإنما عيب عليهم القول بقدمها إلى أن قال رحمه الله تعالى: وبعد، فلم يذمهم الله على مجرد القول باستحقاق العبادة ألا ترى إلى قوله تعالى: {قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني } [يونس:68]، فبين أن هذه المقالة تقتضي جواز الحاجة عليه تعالى وهذا لازم للمجبرة كما سلف انتهى كلامه والمسك ختامه.
قلت: ويزداد الإلزام للمجبرة في نقض التوحيد اتضاحا ويكشف وجه معتقدهم الباطل افتضاحا، وينشق الحق الذي عليه أئمتنا عليهم السلام وموافقوهم في نفي المعاني القديمة إصباحا بأن يقال: هذه المعاني إما أن تنفى ماهياتها الحقيقية عن ذات الله تعالى وتثبت له النتيجة المقصودة من إثبات تلك المعاني وهو أنه تعالى قادر لا يعجزه شيء، وعالم لا يخفى عليه شيء، وحي دائم لا يموت، ولم يزل ولا يزول عن ذلك الاتصاف، فهذا هو مذهب أئمتنا عليهم السلام وأتباعهم الزيدية والمعتزلة جميعا وهو لا يعتريه ريب، غير أن من أئمتنا عليهم السلام ومن وافقهم من يجعل الاتصاف بتلك النتيجة أن كونه لا يعجزه شيء وكونه لا يخفى عليه شيء وحي دائم أمورا ومزايا وصفاتا، ثم قالوا: لا توصف. إذ لا توصف عندهم إلا الذوات كما مر تحقيق أقوالهم وترجيح ما عليه جمهور أئمتنا ومن وافقهم من عدم القول بذلك، وإما أن تثبت ماهياتها الحقيقية، فإما أن تجعل قائمة بذات الباري تعالى كما هو مصرح به في أقوال المجبرة، فمع القول بقدمها كما هو مصرح به في أقوالهم أيضا يلزم أن تكون ذاته المقدسة مركبة من متعددات بالذات مختلفة بالماهيات، فيكون حينئذ تعالى عن ذلك ذاته المقدسة بمنزلة الجسد من الإنسان، وتكون القدرة والعلم والحياة بمنزلة هذه المعاني في الإنسان وبمنزلة الناطقية والإرادة والكراهة منه، وهذا عند النظر والتحقيق باطل من وجوه:
أحدها: لزوم التركيب المفتقر إلى فاعل حكيم قدير عليم حي متقدم عليه تعالى، فأما هو سبحانه وتعالى لزم المحال من حيث أن يلزم أن يكون تعالى بعض مخلوقاته، وأما غيره فهو أبعد لاستلزام فاعل غيره قادر عليه عالم حي قديم، ويرد السؤال في كيفية اتصافه بهذه الصفات ويتسلل ولا ستلزام كونه تعالى مقدورا لغيره.
مخ ۳۲۰