262

کاشف امین

الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين

ژانرونه

علوم القرآن

قلت: في كل منهما قوة وضعف لأنا إذا تجوزنا بالإسناد وأبقينا الأبصار على حقيقتها فهو قوي في {لا تدركه الأبصار { لكنه ضعيف في:{ وهو يدرك الأبصار{ إذ المعلوم أنه ليس المراد من الآية أنه تعالى يدرك المعنى القائم بالحدق لأنه تعالى يدرك ذلك المعنى وغيره من سائر المدركات وجميع المعلومات فلا وجه لتخصيصها بالذكر من هذا الوجه،وإن تجوزنا في الأبصار وجعلناها بمعنى المبصرين وأبقينا الإسناد على حقيقته فهو قوي بالنظر إلى إفادة المطلوب، لكن بقاء الإدراك على حقيقته في {وهو يدرك{لا يتأتى، لأن الإدراك في حقه تعالى ليس على حقيقته بل عبارة عن العلم بالمدرك، لأنا قد بينا أنه حقيقة في الإحساس بإحدى الحواس الخمس ويلزم معه العلم بالمدرك، فاستعماله في حق الله تعالى من استعمال اللازم في الملزوم وذلك نوع من المجاز، فالأولى أن يقال: أنه لا مانع من أن يؤخذ من كل من الوجهين بالطرف الأفصح والأرجح بطريقة الاستخدام بين الحقيقة والمجاز فيجعل الإدراك المنفي في قوله {لا تدركه{ألا تتركه على حقيقته وهو الإحساس بإحدى الحواس، ويجعل الإدراك المثبت في قوله:{وهو يدرك{مجازا عن العلم، ثم بعد هذا تجعل الأبصار الأولة على حقيقتها فيصير التجوز في إسناد الإدراك إليها لا في نفس الإدراك فلا بد من بقائه على حقيقته بكل حال، أو بمعنى المبصرين بالأبصار فيصير التجوز فيها لا في الإسناد ولا في الإدراك، وأيما كان من الاعتبارين فالأبصار الثانية إما أن تجعل تابعة للأولى بأن يجعل الكل على حقيقته أو على مجازه أو نخالف بينهما بأن نجعل الأولى في حقيقتها والثانية في مجازها على سبيل الاستخدام أيضا، فإن جعلناها في الكل حقيقة فلا يحسن إلا مع قصد المبالغة في الثانية بأنه تعالى يدرك البصر الذي هو المعنى القائم بالحدق الذي يستحيل عليكم أن تدركوه بأي حاسة من حواسكم، فكيف لا يدرككم أو يخفى عليه شيء من حالاتكم ويصير هذا كقوله تعالى: { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } [غافر:19]، ونحو ذلك مما لا يتمكن من العلم به بواسطة الحاسة ؟ وإن علم لنا وجوده بالدليل كما نعلم وجود البصر في العين بحصول المقتضى عنه وهو الإدراك، فهذا وجه بليغ لا غبار عليه، وإن لم تقصد معه المبالغة فهو ضعيف كما مر إيضاحه فلا ينبغي حمل الآية عليه،وإن جعلناها في الكل مجازا بمعنى المبصرين فهو ضعيف أيضا إلا مع القيد المذكور بأن يقال المبصرين بالأبصار، وإن خالفنا بينها بأن جعلناها في الأول على حقيقتها وفي الثاني بمعنى المبصرين فلا يحسن إلا مع القيد المذكور، أو جعلنا الأولى بمعنى المبصرين والثانية على حقيقتها فمع ذكر، القيد في الأولى وقصد المبالغة في الثانية يصير وجها بليغا في غاية من البلاغة والإفادة والإجادة، ولعل أن الاعتبار الأول في منزلته ومنهما يعرف سقوط كلام المعترض بقوله: فهو تعالى من جملة المبصرين فيدخل فيما شمله العموم الخ الاعتراض المذكور، لأنه لم يرد بالأبصار الثانية مطلق المبصرين فيدخل سبحانه في جملتهم، وكذلك على سائر الاعتبارات المذكورة مهما قيد المبصرين بقولنا: بالأبصار، وإنما يرد الاعتراض على أحد الاعتبارات المذكورة وهو حيث أريد بالأبصار بالثانية المبصرين من دون القيد المذكور، وقد بينا أنه أضعف الوجوه والاعتبارات فلا ينبغي حمل الآية عليه، لأن كلام الله تعالى يجب حمله على أبلغ الوجوه والاعتبارات.

فهذا الكلام في تقرير الاستدلال بالآية الكريمة وإبطال الاعتراض الأول، فلنثني العنان حينئذ إلى إبطال الاعتراض الثاني.

مخ ۲۹۰