كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد تصنيف:
سلطان المحققين الخواجة نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 672 ه شرح:
العالم الرباني جمال الدين الحسن بن يوسف ابن علي بن المطهر المشتهر بالعلامة الحلي المتوفى سنة 726 ه مع حواشي وتعليقات قيمة:
لآية الله السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني منشورات شكورى - قم
مخ ۱
شناسنامه كتاب * نام كتاب: كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد * مؤلف: علامة المحقق الخواجة نصير الدين طوسي * ناشر: انتشارات شكورى، پاساژ قدس، پلاك 47 تلفن 715439 * تعداد: 1600 جلد * نوبت چاپ: چهارم * تاريخ چاپ: زمستان 1373 * قطع: وزيري * تعداد صفحات: 466 صفحه * چاپخانه: اسماعيليان
مخ ۲
موجز من حياة المصنف قدس سره وهو سلطان العلماء ونابغة الدهر وأفضل الحكماء والمتكلمين ممدوح أكابر الآفاق ومجمع مكارم الأخلاق الذي لا يحتاج إلى التصريف لغاية شهرته مع أن كل ما يقال في وصفه فهو دون مرتبته حجة الفرقة الناجية الإمامية الاثنا عشرية وقدوة المحققة الجعفرية محمد بن محمد بن الحسن الجهرودي القمي الطوسي (ره) ولد قدس سره بمشهد طوس في تاريخ 11 جمادى الأولى سنة 597 وتوفي يوم الغدير سنة 672 ه ودفن في البقعة المقدسة الكاظمية في الرواق.
قرء المعقول على أستاذه فريد الدين النيسابوري، وغيره، والمنقول على والده محمد بن الحسن وهو تلميذ فضل الله الراوندي وهو تلميذ السيد المرتضى علم الهدى والشيخ الطوسي وغيرهما من فطاحل الفقهاء والفلاسفة الجعفرية وذكر ترجمته الصفدي في تاريخه للتراجم محمد بن محمد بن الحسن نصير الدين أبو عبد الله الطوسي الفيلسوف صاحب علوم الرياضة والرصد كان رأسا في علم الأوائل لا سيما في الأرصاد والحساب فإنه فاق الكبار قرأ على المعين سالم بن بدران وكان ذا
مخ ۵
حرمة وافرة ومنزلة عالية عند هولاكو وكان الملك يطيع الخواجة فيما يشير به عليه والأموال في تصريفه فابتنى بمدينة مراغة قبة ورصدا عظيما وكان حسن الصورة سمحا كريما جوادا حليما حسن العشرة عزيز الفضل جليل القدر داهية.
قال جرجي زيدان في آداب اللغة العربية في ترجمته قدس سره: أنه قد جمع في خزانة كتبه ما ينوف على أربعمائة ألف مجلد وأنه أقام المنجمين والفلاسفة ووقف عليهم الأوقاف فزهى العلم في بلاد المغول على يد هذا الفارس كأنه قبة منيرة في ظلمة مدلهمة. انتهى ولائه بالنسبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام بشعره المعروف:
لو أن عبدا أتى بالصالحات غدا * وود كل نبي مرسل وولي وصام ما صام صواما بلا ملل * وقام ما قام قواما بلا كسل وعاش ما عاش آلافا مؤلفة * عار من الذنب معصوما من الزلل ما كان في الحشر يوم البعث منتفعا * إلا بحب أمير المؤمنين علي أخلاقه منها أن كتب له شخص مكتوبا مشتملا على فحش وسباب كثيرة وكان من عباراته (يا كلب بن الكلب) فكتب في جوابه له بكل لين ورأفة أما قولك يا كذا فليس بصحيح لأن الكلب من ذوات الأربع وهو نابح طويل الأظفار وأما أنا فمنتصب القامة بادي البشرة عريض الأظافر ناطق ضاحك فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص، إلى آخر ما أطال في نقض ما اشتمل عليه المكتوب من غير انزعاج ولا ذكر كلمة قبيحة.
تلامذته يروي عنه جماعة منهم العلامة الحلي والسيد عبد الكريم ابن طاوس
مخ ۶
وقطب الدين محمد بن مسعود الشيرازي وشهاب الدين أبو بكر الكازروني وغيرهم.
وأما مصنفاته الفائقة ومؤلفاته الرائقة وهي كثيرة في أقسام العلوم شتى منها كتاب تجريد العقائد في التوحيد والمعرفة والنبوة والإمامة والمعاد وشرحه جماعة كثيرة من الأعاظم منهم العلامة الحلي من أكابر علماء الشيعة والشيخ شمس الدين الإصفهاني والمولى علي القوشجي الشافعي والملا عبد الرزاق الاهيجاني الكيلاني بل بلغ شراح كتاب التجريد إلى ستين رجلا من أكابر الفلاسفة.
مخ ۷
مجمل حياة الشارح العلامة الحلي (قدس سره) هو الشيخ الإمام قدرة علماء الإسلام جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف ابن زيد الدين علي بن محمد بن المطهر الحلي المشتهر بالعلامة كان مقداما وقدوة في جل العلوم الإسلامية اعترف بفضله المخالف والمؤالف وأورده أرباب التراجم من الفريقين في معاجمهم مع الثناء الجميل عليه لا سيما مفخر الطائفة آية الله السيد شهاب الدين المرعشي في مقدمته لإحقاق الحق.
ميلاده ليلة الجمعة 27 رمضان سنة 648 كما صرح بذلك نفسه في الخلاصة في الرجال.
وفاته ليلة السبت 21 محرم 726 بالحلة المزيدية بين الكوفة والمحمودية ونقل إلى الغري الشريف النجف الأشرف ودفن في الحجرة الواقعة على يمين الداخل إلى الحضرة الشريفة العلوية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه من جهة الشمال وقبره ظاهر يزار (زرته مرارا) ويقابله قبر المحقق ملا أحمد الأردبيلي (ره) فأكرم بهما من بوابين لتلك القبة السامية.
كلمات العلماء في حقه قال العلامة البحاثة الميرزا عبد الله أفندي في رياض العلماء ما لفظه الإمام الهمام العالم العامل الفاضل الكامل الشاعر الماهر علامة العلماء وفهامة الفضلاء
مخ ۸
أستاد الدنيا المعروف فيما بين الأصحاب بالعلامة عند الاطلاق، الموصوف بغاية العلم ونهاية الفهم والكمال وهو ابن أخت المحقق صاحب الشرايع وكان (قده) آية الله لأهل الأرض وله حقوق عظيمة على زمرة الإمامية والطائفة الشيعة الحقة الاثنا عشرية لسانا وبيانا تدريسا وتأليفا وكان جامعا لأنواع العلوم مصنفا في أقسامها حكميا متكلما فقيها محدثا أصوليا أديبا شاعرا ماهرا وقد رأيت بعض أشعاره ببلدة أردبيل.
وهي تدل على جودة طبعه في أنواع النظم أيضا وكان وافر التصنيف متكاثر التأليف أخذ واستفاد عن جم غفير من علماء عصره من الخاصة والعامة وقال العلامة السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة ما لفظه: هو العلامة على الاطلاق الذي طار صيته في الآفاق ولم يتفق لأحد من علماء الإمامية أن لقب بالعلامة على الاطلاق غيره ويطلق عليه أيضا آية الله برع في المعقول والمنقول وتقدم وهو في عصر الصبى على العلماء الفحول وقال فقيه الشيعة الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق في كتاب لؤلؤة البحرين وكان العلامة وحيد عصره وفريد دهره الذي لم تكتحل حدقة الزمان له بمثيل ولا نظير إلى أن قال ومن لطائفه أنه ناظر أهل الخلاف في سلطانية زنجان في مجلس السلطان محمد خدابنده وأفهم العلماء الموجودين من العامة فراجع إلى تاريخ زنجان تأليف كاتب الترجمة، وقال صاحب الوسائل في حقه: فاضل عالم علامة العلماء محقق مدقق ثقة فقيه محدث إلى غير ذلك من تعريف الفقهاء والعلماء وأهل التراجم.
مؤلفاته (قده):
بلغ مؤلفاته في العقائد وأصول الفقه والفقه والرجال والكلام خمسة مائة مؤلف ذكرها صاحب مجمع البحرين في مادة علم. * بتاريخ 1399 إبراهيم الموسوي الزنجاني
مخ ۹
موجز من ترجمة صاحب الحواشي هو السيد إبراهيم بن سيد ساجدين بن السيد باقر ولد في قصبة صائن قلعة أبهر زنجان ودرس السطوح في قم وهاجر إلى النجف الأشرف سنة 1364 وتلمذ عند المراجع والفقهاء وأساطين الفلسفة وحصل على درجة الاجتهاد وألف 45 كتابا في الفقه والأصول والفلسفة والعقائد والتراجم والحواشي على الكفاية والمكاسب والرسائل وشرح التجريد ودرس عنده كثير من طلاب الحوزة العلمية وكان يصلي في رواق حضرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى أن خرج من النجف سنة 1395 ه وسكن في الكويت.
مخ ۱۰
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله القاهر سلطانه العظيم شأنه الواضح برهانه الغامر إحسانه الذي أيد العباد بمعرفته وهداهم إلى محجته ليفوزوا بجزيل الثواب العظيم المخلد ويخلصوا من العقاب الأليم السرمد، وصلى الله على أكمل نفس إنسانية وأطيب طينة عنصرية محمد المصطفى وعلى عترته الأبرار وذريته الأخيار وسلم تسليما.
أما بعد فإن كمال الإنسان إنما هو بحصول المعارف الإلهية وإدراك الكمالات الربانية إذ بصفة العلم يمتاز عن عجم الحيوانات ويفضل على الجمادات ولا معلوم أكمل من واجب الوجود تعالى والعلم به أكمل من كل مقصود وإنما يتم بعلم الكلام فإنه المتكفل بحصول هذا المرام فوجب على كل مكلف من أشخاص الناس الاجتهاد في إزالة الالتباس بالنظر الصحيح في البراهين وطلب الحق باليقين وواجب على كل عارف من العلماء إرشاد المتعلمين وتسليك الناظرين وقد كنا صرفنا مدة من العمر في وضع كتب متعددة في هذه العلوم الجليلة وإحراز هذه الفضيلة والآن حيث وفقنا الله تعالى للاستفادة من مولانا الأفضل العالم الأكمل نصير الحق والملة والدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي قدس الله تعالى روحه الزكية في العلوم الإلهية والمعارف العقلية ووجدناه راكبا نهج التحقيق سالكا جدد التدقيق معرضا عن سبيل المغالبة تاركا طريق المغالطة اتبعنا مطارح أقدامه في نقضه وإبرامه ولما عرج إلى جوار الرحمن ونزل بساحة الرضوان وجدنا كتابه الموسوم بتجريد الاعتقاد قد بلغ فيه أقصى المرام وجمع جل مسائل الكلام على أبلغ نظام كما ذكر في خطبته وأشار
مخ ۱۱
في ديباجته إلا أنه (قده) أوجز ألفاظه في الغاية وبلغ في إيراده المعاني إلى طرف (طرق - خ) النهاية حق كل عن إدراكه المحصلون وعجز عن فهم معانيه الطالبون فوضعنا هذا الكتاب الموسوم بكشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد موضحا لما استبهم من معضلاته وكاشفا عن مشكلاته راجيا من الله تعالى جزيل الثواب وحسن المآب إنه أكرم المسؤولين وعليه نتوكل وبه نستعين.
قال: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد حمد واجب الوجود على نعمائه والصلاة على سيد أنبيائه محمد المصطفى وعلى أكرم أحبائه فإني مجيب إلى ما سئلت من تجريد مسائل الكلام وترتيبها على أبلغ النظام مشيرا إلى غرر فرائد الاعتقاد و؟ كت مسائل الاجتهاد مما قادني الدليل إليه وقوى اعتمادي عليه وسميته بتجريد الاعتقاد والله أسئل العصمة والسداد وأن يجعله ذخرا ليوم المعاد ورتبته على ستة مقاصد (1) (المقصد الأول) في الأمور العامة وفيه فصول (الفصل الأول) في الوجود والعدم - وتحديدهما بالثابت العين والمنفي العين أو الذي يمكن أن يخبر عنه ونقيضه أو بغير ذلك يشتمل على دور ظاهر -.
أقول: في هذا الفصل مسائل مهمة جليلة هذه أوليها وهي أن الوجود والعدم لا يمكن تحديدهما واعلم أن جماعة من المتكلمين والحكماء حدوا الوجود والعدم أما المتكلمون فقالوا الموجود هو الثابت العين والمعدوم هو المنفي العين والحكماء قالوا الموجود هو الذي يمكن أن يخبر عنه والمعدوم هو الذي لا يمكن أن يخبر عنه إلى غير ذلك (2) حدود فاسدة لا فائدة في ذكرها وهذه الحدود
مخ ۱۲
كلها باطلة لاشتمالها على الدور فإن الثابت مرادف للموجود والمنفي للمعدوم ولفظة (الذي) إنما يشار بها إلى متحقق ثابت فيؤخذ الوجود في حد نفسه.
قال: بل المراد تعريف اللفظ إذ لا شئ أعرف من الوجود.
أقول: لما أبطل تحديد الوجود والعدم أشار إلى وجه الاعتذار للقدماء من الحكماء والمتكلمين في تحديدهم له فقال إنهم أرادوا بذلك تعريف لفظة الوجود ومثل هذا التعريف شائع في المعلومات الضرورية إذ هو بمنزلة تبديل لفظ بلفظ أوضح منه وإن لم يستفد منه صورة غير ما هو معلوم عند التحديد وإنما كان كذلك لأنه لا شئ أعرف من الوجود إذ لا معنى أعم منه.
قال: والاستدلال بتوقف التصديق بالتنافي عليه أو بتوقف الشئ على نفسه أو عدم تركب الوجود مع فرضه مركبا وإبطال الرسم باطل.
أقول: ذكر فخر الدين في إبطال تعريف الوجود وجهين والمصنف لم يرتض بهما ونحن نقررهما ونذكر ما يمكن أن يكون وجه الخلل فيهما الأول أن التصديق بالتنافي بين الوجود والعدم بديهي إذ كل عاقل على الاطلاق يعلم بالضرورة أنه لا يمكن اجتماع وجود وعدمه والتصديق موقوف على التصور وما يتوقف عليه البديهي أولى (لا بد - خ ل) أن يكون بديهيا فيكون تصور الوجود والعدم بديهيا الثاني إن تعريف الوجود لا يجوز أن يكون بنفسه وإلا دار ولا بأجزائه لأن تلك الأجزاء إن كانت وجودات لزم تعريف الشئ بنفسه وإن لم يكن وجودات فعند اجتماعها (إن لم يحصل) أمر زائد كان الوجود محضا ما ليس بوجود هذا خلف (وإن حصل) أمر زائد هو الوجود كان التركيب في قابل الوجود (1) أو فاعله لا فيه ولا بالأمور الخارجية عنه
مخ ۱۳
لأن الخارجي إنما يصلح للتعريف لو كان مساويا للمعرف لأن الأعم لا يفيد التميز الذي هو أقل مراتب التعريف والأخص أخفى وقد حذر في المنطق عن التعريف به لكن العلم بالمساواة يتوقف على العلم بالماهية (1) فيلزم الدور وهذان الوجهان باطلان أما الأول فلأن التصديق البديهي لا يجب أن يكون تصوراته بديهية لما ثبت في المنطق من جواز توقف البديهي من التصديقات على التصور الكسبي، سلمنا لكن جاز أن يكون التصور للمفردات ناقصا أي تكون معلومة باعتبار ما من الاعتبارات وذلك يكفي في باب التصديقات ويكون المراد من الحد حصول كمال التصور وأما الثاني فلأن ما ذكره في نفي تركيب الوجود عائد إلى كل ماهية مركبة على الاطلاق وهو باطل بالضرورة، سلمنا لكن جاز التعريف بالخارجي وشرطه المساواة في نفس الأمر لا العلم بالمساواة فالناظر في اكتساب الماهية إذا عرض على ذهنه عوارضها واستفاد من بعضها تصور تلك الماهية علم بعد ذلك أن ذلك العارض مساو لها ثم يفيد غيره تصورها بذكر ذلك العارض ولا دور في ذلك سلمنا لكن العلم بالمساواة لا يستلزم العلم بالماهية من كل وجه بل من بعض الوجوه على ما قدمناه ويكون الاكتساب لكمال التصور فلا دور حينئذ.
المسألة الثانية في أن الوجود مشترك قال: وتردد الذهن حال الجزم بمطلق الوجود واتحاد مفهوم نقيضه وقبوله القسمة يعطي الشركة.
أقول: لما فرغ من البحث عن ماهية الوجود شرع في البحث عن أحكامه فبدأ باشتراكه واستدل عليه بوجوه ثلاثة ذكرها الحكماء والمتكلمون الأول
مخ ۱۴
إنا قد نجزم بوجود ماهية ونتردد في خصوصياتها مع بقاء الجزم بالوجود فإنا إذا شاهدنا أثرا حكمنا بوجود مؤثره فإذا اعتقدنا بأنه ممكن ثم زال اعتقادنا بإمكانه وتجدد اعتقادنا بوجوبه لم يزل الحكم الأول فبقاء الاعتقاد بالوجود عند زوال اعتقاد الخصوصيات يدل على الاشتراك الثاني أن مفهوم السلب واحد لا تعدد فيه ولا امتياز فيكون مفهوم نقيضه الذي هو الوجود واحدا وإلا لم ينحصر التقسيم بين السلب والإيجاب الثالث إن مفهوم الوجود قابل للتقسيم بين الماهيات فيكون مشتركا بينها أما المقدمة الأولى فلأنا نقسمه إلى الواجب والممكن وإلى الجوهر والعرض وإلى الذهني والخارجي والعقل يقبل هذه القسمة وأما المقدمة الثانية فلأن القسمة عبارة عن ذكر جزئيات الكلي الصادق عليها بفصول متغايرة أو ما يشابه الفصول ولهذا لا يقبل العقل قسمة الحيوان إلى الإنسان والحجر لما لم يكن صادقا عليهما ويقبل قسمته إلى الإنسان والفرس.
المسألة الثالثة في أن الوجود زائد على الماهيات قال: فيغاير الماهية وإلا اتحدت الماهيات أو لم تنحصر أجزائها أقول: هذه المسألة فرع على المسألة الأولى واعلم أن الناس اختلفوا في أن الوجود هل هو نفس الماهية أو زائد عليها فقال أبو الحسن الأشعري وأبو الحسين البصري وجماعة تبعوهما أن وجود كل ماهية نفس تلك الماهية وقال جماعة من المتكلمين والحكماء أن وجود كل ماهية مغاير لها إلا وجود واجب الوجود تعالى فإن أكثر الحكماء قالوا إن وجوده نفس حقيقته وسيأتي تحقيق كلامهم فيه وقد استدل الحكماء على الزيادة بوجوه الأول: أن الوجود مشترك على ما تقدم فإما أن يكون نفس الماهية أو جزءا منها أو خارجا عنها والأول باطل وإلا لزم اتحاد الماهيات في خصوصياتها لما تبين من اشتراكه والثاني باطل وإلا لم تنحصر أجزاء الماهية بل يكون كل ماهية على الاطلاق مركبة من أجزاء
مخ ۱۵
لا تتناهى واللازم باطل فالملزوم مثله بيان الشرطية إن الوجود إذا كان جزء من كل ماهية فإنه يكون جزءا مشتركا بينها ويكون كمال الجزء المشترك فيكون جنسا فتفتقر كل ماهية إلى فصل يفصلها عما يساويها فيه لكن كل فصل فإنه يكون موجودا لاستحالة انفصال بالموجودات بالأمور العدمية فيفتقر الفصل إلى فصل آخر هو جزء منه ويكون جزءا من الماهية لأن جزء الجزء يكون جزءا أيضا موجودا فيفتقر إلى فصل آخر يتسلسل فيكون للماهية أجزاء لا تتناهى وأما استحالة التالي فلوجوه أحدها أن وجود ما لا يتناهى محال على ما يأتي.
الثاني يلزم منه تركب واجب الوجود تعالى لأنه موجود فيكون ممكنا بسبب التركب هذا خلف. الثالث: يلزم منه انتفاء الحقائق أصلا لأنه يلزم منه تركب الماهيات البسيطة فلا يكون البسيط متحققا فلا يكون المركب متحققا وهذا كله ظاهر البطلان.
قال: ولانفكاكهما تعقلا.
أقول: هذا هو الوجه الثاني الدال على زيادة الوجود وتقريره إنا قد نعقل الماهية ونشك في وجودها الذهني والخارجي والمعقول مغاير للمشكوك فيه وكذلك قد نعقل وجودا مطلقا ونجهل خصوصية الماهية فيكون مغايرا لها.
لا يقال: إنا قد نتشكك في ثبوت الوجود فيلزم أن يكون ثبوته زائدا عليه ويتسلسل.
لأنا نقول: التشكك ليس في ثبوت وجود للوجود بل في ثبوت الوجود نفسه للماهية وذلك هو المطلوب.
قال: ولتحقق الإمكان.
أقول: هذا وجه ثالث يدل على الزيادة وتقريره أن ممكن الوجود متحقق
مخ ۱۶
بالضرورة والإمكان إنما يتحقق على تقدير الزيادة لأن الوجود لو كان نفس الماهية أو جزءها لم تعقل منفكة عنه فلا يجوز عليها العدم حينئذ وإلا لزم جواز اجتماع النقيضين وهو محال وانتفاء جواز العدم يستلزم الوجوب فينتفي الإمكان حينئذ للمنافاة بين الإمكان الخاص والوجوب الذاتي ولأن الإمكان نسبة بين الماهية والوجود والنسبة لا تعقل إلا بين شيئين.
قال: وفائدة الحمل.
أقول: هذا هو الوجه الرابع الدال على المغايرة بين الماهية والوجود وتقريره إنا نحمل الوجود على الماهية فنقول الماهية موجودة فنستفيد منه فائدة معقولة لم تكن لنا حاصلة قبل الحمل وإنما تتحقق هذه الفائدة على تقدير المغايرة إذ لو كان الوجود نفس الماهية لكان قولنا الماهية موجودة بمنزلة قولنا الماهية ماهية أو الموجودة موجودة والتالي باطل فكذا المقدم.
قال: والحاجة إلى الاستدلال.
أقول: هذا وجه خامس يدل على أن الوجود ليس هو نفس الماهية ولا جزء منها وتقريره إنا نفتقر في نسبة الوجود إلى الماهية إلى الدليل في كثير من الماهيات ولو كان الوجود نفس الماهية أو جزئها لم تحتج إلى الدليل لافتقار الدليل إلى المغايرة بين الموضوع والمحمول والتشكيك في النسبة الممتنع تحققه في الذاتي.
قال: وانتفاء التناقض.
أقول: هذا وجه سادس يدل على الزيادة وتقريره إنا قد نسلب الوجود عن الماهية فنقول: الماهية معدومة ولو كان الوجود نفس الماهية لزم التناقض ولو كان جزء منها لزم التناقض أيضا لأن تحقق الماهية يستدعي تحقق أجزاءها التي من جملتها الوجود فيستحيل سلبه عنها وإلا لزم اجتماع النقيضين فتحقق انتفاء التناقض يدل على الزيادة.
مخ ۱۷
قال: وتركب الواجب.
أقول: هذا وجه سابع وهو أن تركب الواجب منتف وإنما يتحقق لو كان الوجود زائدا على الماهية لأنه يستحيل أن يكون نفس الماهية لما تقدم فلو كان جزءا من الماهية لزم أن يكون الواجب مركبا وهو محال.
قال: وقيامه بالماهية من حيث هي هي.
أقول: هذا جواب عن استدلال الخصم على أن الوجود نفس الماهية وتقرير استدلالهم أنه لو كان زائدا على الماهية لكان صفة قائمة بها لاستحالة أن يكون جوهرا قائما بنفسه مستقلا عن الماهية واستحالة قيام الصفة بغير موصوفها وإذا كان كذلك فإما أن يقوم بالماهية حال وجودها أو حال عدمها والقسمان باطلان أما الأول فلأن الوجود الذي هو شرط في قيام هذا الوجود بالماهية أن يكون هو هذا الوجود فيلزم اشتراط الشئ بنفسه أو يكون مغايرا له فيلزم قيام الوجودات المتعددة بالماهية الواحدة ولأنا ننقل البحث إلى الوجود الذي هو شرطه فيتسلسل وأما الثاني فلأنه يلزم قيام الصفة الوجودية بالمحل المعدوم وهو باطل وإذا بطل القسمان انتفت الزيادة وتقرير الجواب أن نقول الوجود قائم بالماهية من حيث هي هي لا باعتبار كونها موجودة ولا باعتبار كونها معدومة فالحصر ممنوع.
قال: فزيادته في التصور.
أقول: هذا نتيجة ما تقدم وهو أن قيام الوجود بالماهية من حيث هي هي إنما يعقل في الذهن والتصور لا في الوجود الخارجي لاستحالة تحقق ماهية ما من الماهيات في الأعيان منفردة عن الوجود فكيف تتحقق الزيادة في الخارج والقيام بالماهية فيه بل وجود الماهية زائد عليها في نفس الأمر والتصور لا في الأعيان وليس قيام الوجود بالماهية كقيام السواد بالمحل.
مخ ۱۸
المسألة الرابعة في انقسام الوجود إلى الذهني والخارجي قال: وهو ينقسم إلى الذهني والخارجي وإلا لبطلت الحقيقية.
أقول: اختلف العقلاء هيهنا فجماعة منهم نفوا الوجود الذهني وحصروا الوجود في الخارجي والمحققون منهم أثبتوه وقسموا الوجود إلى الخارجي والذهني قسمة حقيقية واستدل المصنف رحمة الله عليه بأن القضية الحقيقة صادقة قطعا لأنا نحكم بالأحكام الإيجابية على موضوعات معدومة في الأعيان وتحقق الصفة يستدعي تحقق الموصوف وإذ ليس ثابتا في الأعيان فهو متحقق في الذهن.
واعلم أن القضية تطلق على الحقيقية وهي التي يؤخذ موضوعها من حيث هو هو لا باعتبار الوجود الخارجي بل باعتبار ما صدق عليه الموضوع بالفعل وتطلق على الخارجية وهي التي يؤخذ موضوعها باعتبار الخارج وهو مذهب سخيف قد أبطل في المنطق فتحقق الحقيقية يدل على الثبوت الذهني كما قررناه.
قال: والموجود في الذهن إنما هو الصورة المخالفة في كثير من اللوازم.
أقول: هذا جواب عن استدلال من نفي الوجود الذهني وتقرير استدلالهم أنه لو حلت الماهية في الأذهان لزم أن يكون الذهن حارا باردا أسود أبيض فيلزم مع اتصاف الذهن بهذه الأشياء المنتفية عنه اجتماع الضدين والجواب أن الحاصل في الذهن ليس هو ماهية الحرارة والسواد بل صورتهما ومثالهما المخالفة للماهية في لوازمها وأحكامها فالحرارة الخارجية تستلزم السخونة وصورتها لا تستلزمها والتضاد إنما هو بين الماهيات لا بين صورها وأمثلتها.
المسألة الخامسة في أن الوجود ليس هو معنى زائدا على الحصول العيني قال: وليس الوجود معنى به تحصل الماهية في العين بل الحصول أقول: قد ذهب قوم غير محققين إلى أن الوجود معنى قائم بالماهية يقتضي
مخ ۱۹
حصول الماهية في الأعيان وهذا مذهب سخيف يشهد العقل ببطلانه لأن قيام ذلك المعنى بالماهية في الأعيان يستدعي تحقق الماهية في الخارج فلو كان حصولهما في الخارج مستندا إلى ذلك المعنى لزم الدور المحال بل الوجود هو نفس تحقق الماهية في الأعيان وليس ما به تكون الماهية في الأعيان.
المسألة السادسة في أن الوجود لا تزايد فيه ولا اشتداد قال: ولا تزايد فيه ولا اشتداد أقول: ذهب قوم إلى أن الوجود قابل للزيادة والنقصان وفيه نظر لأن الزيادة إن كانت وجودا لزم اجتماع المثلين وإلا لزم اجتماع النقيضين وأما نفي الاشتداد فهو مذهب أكثر المحققين قال بعضهم لأنه بعد الاشتداد إن لم يحدث شئ آخر لم يكن الاشتداد اشتدادا بل هو باق كما كان وإن حدث فالحادث إن كان غير الحاصل فليس اشتدادا للموجود الواحد بل يرجع إلى أنه حدث شئ آخر معه وإلا فلا اشتداد وكذا البحث في جانب النقصان وهذا الدليل ينفي قبول الأعراض كلها للاشتداد والتنقص.
المسألة السابعة في أن الوجود خير والعدم شر قال: وهو خير محض.
أقول: إنا إذا تأملنا في كل ما يقال له خير وجدناه وجودا وإذا تأملنا في كل ما يقال له شر وجدناه عدما ألا ترى القتل فإن العقلاء حكموا بكونه شرا وإذا تأملناه وجدنا شريته فاعتبار ما يتضمن من العدم فإنه ليس شرا من حيث قدرة القادر عليه فإن القدرة كمال الإنسان ولا من حيث إن الآلة قطاعة فإنه أيضا كمال لها ولا من حيث حركة أعضاء القاتل ولا من حيث قبول العضو المنقطع للتقطيع بل من حيث هو إزالة كمال الحياة عن الشخص فليس الشر إلا هذا العدم وباقي القيود الوجودية خيرات فحكموا بأن الوجود خير محض
مخ ۲۰
والعدم شر محض ولهذا كان واجب الوجود تعالى أبلغ في الخيرية والكمال من كل موجود لبرائته عن القوة والاستعداد وتفاوت غيره من الوجودات فيه باعتبار القرب من العدم والبعد عنه.
المسألة الثامنة في أن الوجود لا ضد له قال: ولا ضد له.
أقول: الضد ذات وجودية تقابل ذاتا أخرى في الوجود ولما استحال أن يكون الوجود ذاتا وأن يكون له وجود آخر استحال أن يكون ضدا لغيره ولأنه عارض لجميع المعقولات لأن كل معقول إما خارجي فيعرض له الوجود الخارجي أو ذهني فيعرض له الوجود الذهني ولا شئ من أحد الضدين يعرض لصاحبه ومقابلته للعدم ليس تقابل الضدين على ما يأتي تحقيقه في نفي المعدوم بل تقابل السلب والإيجاب إن أخذا مطلقين وإلا تقابل العدم والملكة المسألة التاسعة في أنه لا مثل للوجود قال: ولا مثل له.
أقول: المثلان ذاتان وجوديتان يسد كل واحدة منهما مسد صاحبه ويكون المعقول منهما شيئا واحدا بحيث إذا سبق أحدهما إلى الذهن ثم لحقه الآخر لم يكتسب العقل من الحاصل ثانيا غير ما اكتسبه أولا والوجود ليس بذات فلا يماثل شيئا آخر وأيضا فليس هيهنا معقول يساويه في التعقل على معنى ما ذكرناه إذ كل معقول مغاير لمعقول الوجود.
لا يقال: إن كليه وجزئيه متساويان في التعقل فكان له مثل وهو الجزئي.
لأنا نقول: أنهما ليسا متساويين في المعقولية وإن كان أحد جزئي الجزئي هو الكلي لكن الاتحاد ليس تماثلا (وأيضا) فإنه عارض لكل المعقولات على ما قررناه أولا ولا شئ من المثلين يعارض لصاحبه.
مخ ۲۱
المسألة العاشرة في أنه مخالف لغيره من المعقولات وعدم منافاته لها قال: فتحققت مخالفته للمعقولات.
أقول: لما انتفت نسبة التماثل والتضاد بينه وبين غيره من المعقولات وجبت المخالفة بينهما إذ القسمة حاصرة في كل معقولين بين التماثل والتضاد والاختلاف وقد انتفي التماثل والتضاد فوجب الاختلاف ولهذا جعله نتيجة لما سبق.
قال: ولا ينافيها:
أقول: المتنافيان لا يمكن اجتماعهما وقد بينا أن كل معقول على الاطلاق فإنه يمكن عروض مطلق الوجود له واجتماعه معه وصدقه عليه فكيف ينافيه.
لا يقال: العدم المطلق أمر معقول وقد قضى العقل بمنافاته له فكيف يصح قوله على الاطلاق أنه لا ينافيها.
لأنا نقول: نمنع أولا كون العدم المطلق (1) معقولا والعدم الخاص له حظ من الوجود ولهذا افتقر إلى موضوع خاص كافتقار الملكة إليه (سلمنا) لكن نمنع استحالة عروض الوجود المطلق للعدم المعقول فإن العدم المعقول ثابت في الذهن فيكون داخلا تحت مطلق الثابت فيصدق عليه مطلق الثابت ومنافاته للوجود المطلق لا باعتبار صدق مطلق الثبوت عليه بل من حيث إنه أخذ مقابلا له ولا امتناع في عروض أحد المتقابلين للآخر إذا أخذا لا باعتبار التقابل
مخ ۲۲