فقال يا رسول الله غرقنا وانقطعت السير في اسواقنا فقال رسول الله صلى الله عليه واله حوالينا ولا علينا فانجاب السحاب عن المدينة وكان فيما حولها حتى حصلت السماء فوقها والسحاب ذلك فقال كل واحد منهم في نفسه آمنت إذا مضيت ان ياتي أحد غيري فيشعر بي فاجتمعوا باسرهم لاتفاق ما في نفوسهم ولما ازعجهم من التعجب لاستماع ما حيرهم واذهلهم فوقفوا الى الصباح فلما انصرفوا اجتمعوا ايضا وافتضح بعضهم عند بعض وجددوا العهد بينهم ثم عادوا حتى فعلوا ذلك عدة دفعات تطلعا الى سماع القرآن مع ما هم عليه من الاصرار على العناد وأما تعجب الجن منه فقولها * (انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد فامنا به ولن نشرك بربنا احدا) * سورة الجن (فصل من البيان عن اعجاز القرآن) فمن ذلك عجز بلغاء العرب عن الاتيان بمثله في فصاحته ونظمه مع علمهم بان النبي صلى الله عليه واله قد جعله علما على صدقه وسماعهم للتحدي فيه على ان ياتوا بسورة من مثله هذا مع اجتهادهم في دفع ما اتى به صلى الله عليه واله وتوفر دواعيهم الى ابطال امره وفل جمعه واستفراغ مقدورهم في اذيته وتعذيب اصحابه وطرد المؤمنين به ثم ما فعلوه بعد ذلك من بذل النفوس والاموال في حربه والحرص على اهلاكه مع علمهم بان ذلك لا يشهد بكذبة ولا فيه ابطال الحجة ولا يقوم مقام معارضته فيما جعله دلالة على صدقه وتحداهم على الاتيان بمثله وقد كانوا قوما فصحاء حكماء عقلاء خصماء لا يصبرون على التقريع ولا يتغاضون عن التعجيز وعاداتهم معروفة في الشرع الى الافتخار وتحدي بعضهم لبعض بالخطب والاشعار وفي انصرافهم عن المعارضة دلالة على انها كانت متعذرة عليهم وفي التجائهم الى الحروب الشاقة دونها بيان انها الايسر عندهم وأي عاقل يطلب امرا بما فيه هلاك حاله والتغرير بنفسه وهو يقدر على كلام يقوله يغنيه بذلك وينال به امله ومراده فلا يفعله هذا ما لا يتصور في العقل ولا يثبت في الوهم وفي عجزهم الذي ذكرناه حجة في بيان معجز القرآن وفي صحة نبوة نبينا صلى الله عليه واله ومن ذلك ما يتضمنه من اخبار الدهور الماضية واحوال القرون الخالية وانباء الامم الغابرة ووصف الديار الداثرة وقصص الانبياء المتقدمين وشرح احكام أهل الكتابين مما لا يقدر عليه إلا من اختص بهم وانقطع الى الاطلاع في كتبهم وسافر في لقاء علمائهم وصحب رؤساءهم ولما كان نبينا صلى الله عليه واله معلوم المولد والدار والمنشا والقرار لا تخفي احواله ولا تستتر افعاله لم يلف قط قبل بعثته مدارسا لكتاب ولا رئي مخالطا لاهل الكتاب ولم يزل معروفا بالانفراد عنهم غير مختص باحد منهم ولا سافر لاتباع عالم سرا ولا جهرا ولا احتال في نيل ذلك اولا ولا آخرا علم انه لم ياخذ
--- [ 77 ]
مخ ۷۶