من الدنس فلم يزل نوره منتقلا فيهم ظاهرا بين اعينهم يدركه الناس بالمشاهدة ويرون خلو الوالد منه إذا انتقل الى ولده رؤية حاسة وهو يزداد بالانتقال بيانا ويتضاعف بالموارثة برهانا الى ان انتهى الى عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف رضوان الله عليهم فعظم في وجهه واضاء في غرته وعلمت بحاله الاحبار واخبرت بامره الكهان وذاع خبره في البلاد حتى روى ان احبار يهود الشام كانت عندهم جبة مغموسة في دم يحيى بن زكريا عليهم السلام وكانوا قد وجدوا في كتبهم ان إذا رأيتم الجبة بيضاء والدم يقطر فاعلموا ان أبا النبي محمد المصطفى قد ولد فلما راوا ذلك من حالها وتحققوا ولادة عبد الله بن عبد المطلب عمدوا باجمعهم الى الحرم ليغتالوه ويغتنموا الظفر به فيقتلوه فصرف الله سبحانه كيدهم وردهم خائبين الى بلادهم وكانوا إذا سئلوا عنه قيل لهم تركناه نورا يتلالا في قريش تلالؤ القمر فيقول الاحبار ليس ذلك النور لعبد الله إنما هو لولده محمد صلى الله عليه واله ثم ترجع في كفرها وعنادها فإذا تأملت الحال وافاقت للاستدلال قالت هو هو ورب موسى وقيل ان الكهنة اجتمعت فقالت نحن نتخوف لتزايد نور عبد الله ان يغلب كهانتنا وروي ان نساء قريش افتتن به وكن يتعرضن به في طريقه حتى لقي منهن ما لقي يوسف عليه السلام من امراة العزيز وهو لا يلوي عليهن ويقول لهن ليس لي سبيل الى كلامكن حتى ورد في الحديث ان الجواري الابكار كن يقفن في طريقه وإذا رمن كلامه تصورت الملائكة لهن في صورة مفزعة يصدونهن عنه فيرجعن مذعورات فزعات ثم ان وهب بن عبد مناف لما راى عظم امره وجلالة قدره اجتهد في تزويجه آمنه ابنته وراسل في ذلك عبد المطلب رضوان الله عليه فزوجه بها ونقل الله تعالى نور نبيه صلى الله عليه واله إليها فحملت به في ليلة الجمعة لتسع خلون من ذي الحجة ليلة عرفة وقيل بل في ايام التشريق وذلك بمنى عند الجمرة الوسطى وكانت منزل عبد الله بن عبد المطلب فروي عنها من الايات التي شاهدتها ليلة حملها به وعند ولادتها ما يطول ذكره فكان مما قالت انه اتاني المخاض وانا وحدي فلما وضعته صلى الله عليه واله رايته ساجدا قد رفع اصبعه الى السماء كالمبتهل المتضرع ثم غشتني سحابة غيبته عن عيني وسمعت منها كلاما ثم اعيد الي وهو مدرج في ثوب صوف اشد بياضا من الثلج وتحته حريرة خضراء وولد صلى الله عليه واله طاهرا مطهرا فكان من دلائل ولادته خمود نيران المجوس وتزعزع اسرة الملوك وكلام كثير من الدواب وسقوط الاوثان من البيت الحرام وروي عن عبد المطلب رضي الله عنه انه قال كنت في تلك الليلة في البيت الحرام ارم منه شيئا فلما انتصف الليل رايته قد اهوى من جميع جوانبه مائلا كالساجد الى ناحية المقام ثم استوى
--- [ 72 ]
مخ ۷۱