الفعل نفسه مجازا كما ذكرنا وقد يستعمل الناس هذا كثيرا وانشده (شعر) (ارى شهوات لست اسطيع تركها) (واحذر ان واقعتها ضرر الاثم) فلا النفس تنهاني وتبصر رشدها) (واكره اتيان العقاب على علم) ولسنا نشك في ان الشاعر عنى بقوله لست اسطيع تركها ان تركها يثقل عليه ولا يلائم ما يدعوه إليه طبعه وانه لم ينف الاستطاعة في الحقيقة عن نفسه ولو كان اراد نفيها لم يكن معنى لقوله واحذر ان واقعتها ضرر الاثم وقوله واكره اتيان العقاب على علم وعلى هذا المعنى ايضا يتاول قول الله عز وجل * (وما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) * وهو انهم لاستثقالهم استماع آيات الله تعالى وكراهتهم تأملها وتدبرها جروا مجرى من لا يستطيع السمع كما يقال لمن عهد منه العناد واستثقال استماع الحجج والبينات ما يستطيع استماع الحق وما يطيق ان يذكر له قال الاعشى شعر (ودع هريره ان الركب مرتحل) (وهل تطيق وداعا ايها الرجل) ونحن نعلم انه قادر على الوداع وإنما نفى قدرته عليه من حيث الكراهية والاستثقال ومعنى قوله وما كانوا يبصرون ان ابصارهم لم تكن نافعة لهم ولا مجدية عليهم نفعا لاعراضهم عن تأمل آيات الله عز وجل وتفهمها فلما انتفت عنهم منفعة الابصار جاز ان ينفي عنهم الابصار نفسه كما يقال عن المعرض عن الحق العادل عن تأمله ما لك لا تسمع ولا تعقل وقد تأول الشريف المرتضى رحمه الله هذه الاية على وجه آخر وهو ان يكون ما في قوله ما يستطيعون السمع ليست للنفي بل تجري مجرى قولهم لا واصلتك ما لاح نجم لا اقيمن على مودتك ما طلعت شمس قال الله تعالى * (يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) * ويكون المعنى اتصال عذابهم ودوامه ما كانوا احياء (مسالة) وقد سالت المجبرة عن معنى قول الله تعالى * (صم بكم عمى فهم لا يبصرون) * وظنوا ان لهم في هذه الاية حجة يتشبثون بها (والجواب) ان ظاهر هذه الاية يقتضي ان المنافقين كانوا بهذه الصفات ومعلوم من حالهم انهم كانوا بخلافها ولا شئ ادل على فساد التعلق بظاهرها من ان يعلم ان العيان بخلافه فوجب ضرورة صرف الاية عن ظاهرها الى ما يقتضيه الصواب من تأويلها والمراد بها انهم لما لم ينتفعوا بهذه الحواس والالات فيما خلقت له وانعم عليهم بها لاجله صاروا كأنهم قد سلبوها وحرموها وهذا مستعمل في الشاهد يقول احدنا لغيره وقد بين له الشئ وبالغ في ايضاحه وهو غير متامل بوروده انك اصم واعمى فلا تستطيع كذا تسمع على قلبك وربما تجاوز ذلك فقال له
--- [ 48 ]
مخ ۴۷