183

احدهما هو الذي فعله صاحبه أو يكون كل واحد منهما انفرد ببعض منه وفي الوجه الاول ايجاب فعل واحد من فاعلين وهذا يبطل في فصل وفي الوجه الثاني ايجاب تميز فعل كل واحد منهما عن فعل الاخر لأن القادر الحكيم إذا فعل فعلا حسنا لم يجز إلا ليجعله دالا عليه وموسوما ومميزا عن فعل غيره لاسيما إذا كان داعيا الى شكر نعمته وموجبا لمعرفته ولا طريق لاحد الى معرفته الا بفعله فلما لم يكن فعل ما شاهدناه من السماء والارض وغيرهما مما يدل على ان بعضه لواحد وبعضه لاخر وإنما يدل على ان له فاعلا فقط علمنا ان الفاعل له واحد وهو الله تعالى ذكره فإن قيل فانا نجد العالم على قسمين جواهر واعراض وكل واحد من الجنسين مميز عن الاخر فالا دل هذا على الصانعين قلنا لو كان صانع الجواهر غير صانع الاعراض لكنا محتاجين بل عاجزين لأن احدهما لا يقدر ان يفعله بانفراده وهو يفتقر الى صاحبه لاستحالة وجود الجوهر بغير عرض والعرض بغير جوهر إلا ما انفرد به قوم من ارادة القديم وفناء العالم (دليل آخر) وهو ان العالم لو كان صانعه اثنين لكانا غيرين وحقيقة الغيرين هما اللذان يجوز وجود احدهما وعدم الاخر أما من الزمان أو المكان أو على وجه من الوجوه أو كان يجوز ذلك ولسنا نجد احدا من ذوي العقول الصحيحة السليمة التي لم تعترضها الشبهة الحادثة تعرف غيرين إلا وهو يعرف انها هكذا ولا يعلم شيئين هكذا الا وهو يعلم انهما غيران وهذا يمنع من ان يكون صانع العالم اثنين لما في ذلك من جواز عدم احدهما ومن جاز عدمه فليس بقديم وفي بطلان قدم احدهما دليل على انه داخل في جملة المحدثين وان صانع العالم هو الواحد القديم ومن خالفنا في حد الغيرين فليوجد لنا شيئين متفقين على وجودهما ليس هذا حكمهما (دليل آخر) وقد اعتمد البلخي دليلا مفردا على ان صانع العالم واحد لم يحتج ان يذكر فيه تقدير وجود الاثنين فقال الذي يدل على ذلك انا وجدنا العالم محدثا ولابد له من محدث ووجدنا من تجاوز القول بان المحدث له واحد فزعم ان اثنين لا نجد فرقا بينه وبين من زعم انه ثلاثة وكذلك لا نجد فرقا بينه وبين من زعم انه اربعة وكل عدة تجاوزت الواحد لا يقدر القائل بها على فرق بينه وبين من زاد فيها ولا نجد حجة توجب قوله دون قول خصمه فيها فلما فسد قول كل من ادعى الزيادة على الواحد وليس مع احدهم رجحان بحجته وتكافات اقوالهم في دعوى الزيادة دل على ان الصانع واحد لا اكثر من ذلك ولأن الدليل ثبت على وجود الصانع ولم يثبت على ما يزيد على واحد ثم عارض نفسه فقال إذا قال قائل انكم قد تجدون دارا مبنية يدل بناؤها على ان لها بانيا ثم لا يجدون فرقا بين من زاد على واحد فقال ان بانيها اثنان وبين من قال ثلاثة وكذلك في كل عدة حتى لا يتميز بعض الاقوال على بعض حجة افتقطعون على ان صانع

--- [ 184 ]

مخ ۱۸۳