الکامل په تاریخ کې
الكامل في التاريخ
پوهندوی
عمر عبد السلام تدمري
خپرندوی
دار الكتاب العربي
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤١٧هـ / ١٩٩٧م
د خپرونکي ځای
بيروت - لبنان
ژانرونه
تاريخ
[ذِكْرُ عَدُوِّ اللَّهِ نُمْرُودَ وَهَلَاكِهِ]
وَنَرْجِعُ الْآنَ إِلَى خَبَرِ عَدُوِّ اللَّهِ نُمْرُودَ، وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ فِي دُنْيَاهُ، وَتَمَرُّدِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِمْلَاءِ اللَّهِ لَهُ، وَكَانَ أَوَّلَ جَبَّارٍ فِي الْأَرْضِ، وَكَانَ إِحْرَاقُهُ إِبْرَاهِيمَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، فَأَخْرَجَ إِبْرَاهِيمَ ﵇ مِنْ مَدِينَتِهِ وَحَلَفَ أَنَّهُ يَطْلُبُ إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ، فَأَخَذَ أَرْبَعَةَ أَفْرُخِ نُسُورٍ فَرَبَّاهُنَّ بِاللَّحْمِ، وَالْخَمْرِ حَتَّى كَبِرْنَ، وَغَلُظْنَ، فَقَرَنَهُنَّ بِتَابُوتٍ وَقَعَدَ فِي ذَلِكَ التَّابُوتِ فَأَخَذَ مَعَهُ رَجُلًا وَمَعَهُ لَحْمٌ لَهُنَّ، فَطِرْنَ بِهِ حَتَّى إِذَا ذَهَبْنَ أَشْرَفَ يَنْظُرُ إِلَى الْأَرْضِ فَرَأَى الْجِبَالَ تَدِبُّ كَالنَّمْلِ، ثُمَّ رَفَعَ لَهُنَّ اللَّحْمَ وَنَظَرَ إِلَى الْأَرْضِ فَرَآهَا يُحِيطُ بِهَا بَحْرٌ كَأَنَّهَا فَلَكٌ فِي مَاءٍ، ثُمَّ رَفَعَ طَوِيلًا فَوَقَعَ فِي ظُلْمَةٍ فَلَمْ يَرَ مَا فَوْقَهُ وَمَا تَحْتَهُ، فَفَزِعَ وَأَلْقَى اللَّحْمَ، فَاتَّبَعَتْهُ النُّسُورُ مُنْقَضَّاتٍ، فَلَمَّا نَظَرَتِ الْجِبَالُ إِلَيْهِنَّ وَقَدْ أَقْبَلْنَ مُنْقَضَّاتٍ وَسَمِعْنَ حَفِيفَهُنَّ فَزِعَتِ الْجِبَالُ وَكَادَتْ تَزُولُ وَلَمْ يَفْعَلْنَ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ [إبراهيم: ٤٦] . وَكَانَتْ طَيْرُورَتُهُنَّ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَوُقُوعُهُنَّ فِي جَبَلِ الدُّخَانِ.
فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُطِيقُ شَيْئًا أَخَذَ فِي بُنْيَانِ الصَّرْحِ فَبَنَاهُ حَتَّى عَلَا وَارْتَقَى فَوْقَهُ يَنْظُرُ إِلَى إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ بِزَعْمِهِ وَأَحْدَثَ، وَلَمْ يَكُنْ يُحْدِثُ، وَأَخَذَ اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ مِنْ أَسَاسِ الصَّرْحِ فَسَقَطَ وَتَبَلْبَلَتِ الْأَلْسُنُ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْفَزَعِ، فَتَكَلَّمُوا بِثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ لِسَانًا، وَكَانَ لِسَانُ النَّاسِ قَبْلَ ذَلِكَ سُرْيَانِيًّا.
هَكَذَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ الطَّبْعَ الْبَشَرِيَّ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَهُمْ أَكْثَرُ اتِّصَالًا بِالْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ، وَأَشْرَفُ أَنْفُسًا، وَمَعَ هَذَا فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَبُولُونَ وَيَتَغَوَّطُونَ، فَلَوْ نَجَا مِنْهُ أَحَدٌ لَكَانَ الْأَنْبِيَاءُ أَوْلَى
1 / 103