ويقال: لسوقنا درة وغرار، أي نفاق وكساد، فهذا معنى آخر، وإنما تأويل الغرار في هذا المعنى الأخير أنه شيء، ومن هذا: غار الطائر فرخه، لأنه إنما يعطيه شيئًا بعد شيء، وكذلك غارت الناقة في الحلب، ويقال من هذا: ما نمت إلا غرار، قال الشاعر:
ما أذوق النوم إلا غرارًا ... مثل حسو الطير ماء الثماد
فكشف في هذا البيت معنى الغرار وأوضحه.
وقوله:
"يهاب حمياه الألد المداعس"
فأصل الحميا إنما هي صدمة الشيء، يقال: فلان حامي الحميا، ويقال صدمته حميًا الكأس، يراد بذلك سورتها.
وقوله: "الألد" فأصله الشديد الخصومة، يقال: خصم ألد، أي لا ينثني عن خصمه. قال الله ﷿: ﴿وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ ١ كما قال: ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ ٢، وقال مهلهل:
إن تحت الأحجار حزمًا وجودًا ... وخصيمًا ألد ذا معلاق
ويروي: "مغلاق" فمن روى ذلك فتأويله أنه يغلق الحجة الخصم، ومن قال،" ذا معلاق"، فإنما يريد أنه إذا علق خصمًا لم يتخلص منه، وجعل السعدي الألد الذي لا ينثني عن الحرب تشبيهًا بذلك، والمداعس: المطاعن، يقال: دعسه بالرمح إذا طعنه، قال عمير بن الحباب السلمي:
أنا عميرٌ وأبو المغلس ... وبالقناة مازني مدعس
قال أبو الحسن: تأويل قول السعدي:
"أبلعي هذا بالرحى المتقاعس"
_________
١ مريم ٩٧.
٢ الزخرف ٥٨.
1 / 36